وصل وافد السلطان إلى أبي مزني ألقى زمامه إليه وحكمه في ذات يده وقبله، ومحا أثر المراوغة واستجدّ لبؤس الانحياش والطاعة، وبادر إلى استجادة المقرّبات وانتقاء صنوف التحف. وبعث بذلك في ركاب الوافد فدفع الّذي عليه من الضريبة المعروفة محملا أكباد جياده [١] وظهور مطاياه، ووصلوا إلى معسكر السلطان بساح تبسة فاتح سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة فجلس لهم السلطان جلوسا فخما ولقاهم قبولا وكرامة، فعرضوا الهدية، وأعربوا عن الانحياش والطاعة وحسن موقع ذلك من السلطان وشملهم إحسان السلطان في مقامتهم وجوائزه على الطبقات في انصرافهم، وانقلبوا بما ملأ صدورهم إحسانا ونعمة وظفروا برضا السلطان وغبطته، وحسبهم بها أمنيّة وبيد الله تصاريف الأمور ومظاهر الغيوب.
[(الخبر عن انتقاض أولاد أبي الليل ثم مراجعتهم الطاعة)]
قد ذكرنا ما كان من رجوع أولاد أبي الليل هؤلاء إلى طاعة السلطان إثر منصرفه من فتح قابس، وأنهم وفدوا عليه بالحضرة فتقبّلهم وعفا عن كبائرهم واسترهن على الطاعة أبناءهم، واقتضى بالوفاء على ذلك أيمانهم. وخرج الأخ الكريم أبو يحيى زكريا في العساكر لاقتضاء المغارم من هوارة التي استأثروا بها في مدّة هذه الفتن.
وارتحل معه أولاد أبي الليل وأحلافهم من حكيم حتى استوفى جبايته وجال في أقطار عمله. ثم انكفأ راجعا إلى الحضرة، ووفدوا معه على السلطان يتوسّلون به في أفعالهم بالعسكر إلى بلاد الجريد لاقتضاء مغارمهم على العادة واستيفاء اقطاعاتهم، فسرّح السلطان معهم لذلك ابنه أبا فارس وارتحلوا معه بأحيائهم، وكان ابن مزني وابن يملول من قبله ويعقوب بن علي كثيرا ما يراسلونهم ويستدعونهم لمثل ما كانوا فيه من الانحراف ومشايعة صاحب تلمسان.
ولما اعتقلوا أبا زيّان ببسكرة كما ذكرناه وتوفي بصريخ أبي حمو ومظاهرته. فنبضت عروق الخلاف في أولاد أبي الليل وفزعوا إلى العلاق بيعقوب بن علي رجاء فيما