للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الوقت بينه وبين صاحب المغرب، وأنه لهم بالمرصاد متى رابهم ريب من نهوض السلطان [١] أبي العبّاس ليتمسك بذلك طرق التوثّب من أبي زيّان وربما دسّ، لهم بمشارطة اعتقاله وإلقائه في غيابات السجون. وفي مغيب يعقوب هذا طرق السلطان طائف من المرض أرجف له المفسدون بالجريد ودسّ لشيع ابن يملول بتحيّزه إلى صبيّ من أبناء يحيى مخلف ببسكرة، فذهل ابن المزني عن التثبت لها ذهابا مع صاغية الولد وأوليائه، وجهّزهم لانتهاز الفرصة في توزر مع العرب المشارطين في مثلها بالمال، وأغذّوا السير توزر على حين غفلتهم من الدهر وخفّ من الجند فجلى المنتصر وأولياؤه في الامتناع، وصدق الدفاع وتمحضت بهذه الانالة طاعة أهل توزر ومخالصتهم وانصرف ابن يملول بإخفاق من السعي واليم من الندم وتوقع للمكاره.

ووافق ببسكرة قدوم يعقوب بن علي فرجّعه من المغرب فبالغ في تغييبهم بالملامة على ما أحدثوا بعده من هذا الخرق المتسع الغني عن الواقع [٢] .

وكان السلطان لأوّل بلوغ الخبر بإجلابهم على توزر وممالأة ابن مزني على ابنه وأوليائه، أجمع النهوض إلى بسكرة وعسكر بظاهر الحضرة، وفتح ديوان العطاء وجهّز آلات الحصار. وسرى الخبر بذلك إليهم فخلصوا نجيّا ونقضوا عنه آراءهم فتمحّض لهم اعتقال أبي زيّان الكفيل لهم بصريخ أبي حمو على زعمه فتعللوا عليه ببعض النزعات، وتورّطوا في اخفار ذمته، وطيّروا بالصريخ إلى أبي حمو، وانتظروا فما راعهم إلا وافده بالعذر عن صريخهم والإعاضة بالمال، فتبينوا عجزه ونبذوا عهده، وبادروا عليه السبيل لأبي زيّان العذر له لما كان السلطان نكر عليهم من أمرهم فارتحل عنهم ولحق بقسنطينة. وحملهم يعقوب بن عليّ على اللياذ بالطاعة، وأوفد ابن عمه متطارحا وشافعا فتقبّل السلطان منه وسيلته [٣] وأغضى لابن مزني عن هناته وأسعفهم بكبير دولته وخالصة سرّه أبي عبد الله ابن أبي هلال ليتناول منه المخالصة. ويمكن له الألفة ويمسح عنه هواجس الارتياب والمخافة.

وكان قد انتهى إليهم من الحياة ففصل عن الحضرة، وارتحل السلطان في ذي القعدة آخر سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة لتفقّد عمّاله وابتلاء الطاعة من أهل أوطانه. ولما


[١] وفي نسخة أخرى: نهوض السلطان أبي العباس إليهم، تمسّك بذلك طرف التوثق من أبي زيان.
[٢] وفي نسخة أخرى: المعيي على الراقع.
[٣] وفي نسخة ثانية: فتقبّل السلطان فيئته ووسيلته.

<<  <  ج: ص:  >  >>