بأزيد منها كثير عن حاجاتهم ثمّ لا تلبث أن تأخذ بدين الحضارة في التّرف وعوائدها وتجري على نهج الدّول السّابقة قبلها فيكثر لذلك خراج أهل الدّولة ويكثر خراج السّلطان خصوصا كثرة بالغة بنفقته في خاصّته وكثرة عطائه ولا تفي بذلك الجباية فتحتاج الدّولة إلى الزّيادة في الجباية لما تحتاج إليه الحامية من العطاء والسّلطان من النّفقة فيزيد في مقدار الوظائف والوزائع أوّلا كما قلناه ثمّ يزيد الخراج والحاجات والتّدريج في عوائد التّرف وفي العطاء للحامية ويدرك الدّولة الهرم وتضعف عصابتها عن جباية الأموال من الأعمال والقاصية فتقلّ الجباية وتكثر العوائد ويكثر بكثرتها أرزاق الجند وعطاؤهم فيستحدث صاحب الدّولة أنواعا من الجباية يضربها على البياعات ويفرض لها قدرا معلوما على الأثمان في الأسواق وعلى أعيان السّلع في أموال المدينة وهو مع هذا مضطرّ لذلك بما دعاه إليه طرق النّاس من كثرة العطاء من زيادة الجيوش والحامية وربّما يزيد ذلك في أواخر الدّولة زيادة بالغة فتكسد الأسواق لفساد الآمال ويؤذن ذلك باختلال العمران ويعود على الدّولة ولا يزال ذلك يتزايد إلى أن تضمحلّ. وقد كان وقع منه بأمصار المشرق في أخريات الدّولة العبّاسيّة والعبيديّة كثير وفرضت المغارم حتّى على الحاجّ في الموسم وأسقط صلاح الدّين أيّوب تلك الرّسوم جملة وأعاضها بآثار الخير وكذلك وقع بالأندلس لعهد الطّوائف حتّى محى رسمه يوسف بن تاشفين أمير المرابطين وكذلك وقع بأمصار الجريد بإفريقيّة لهذا العهد حين استبدّ بها رؤساؤها والله تعالى أعلم.
[الفصل الأربعون في أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا ومفسدة للجباية]
اعلم أنّ الدّولة إذا ضاقت جبايتها بما قدّمناه من التّرف وكثرة العوائد