مرين في جموع الموحّدين وعساكر الدولة، صمد بنو مرين للقائه. والتقى الجمعان بايملولين، ففضّوا جموعه، وكانت الدبرة عليه والظهور لهم. ثم كان بعدها فتح سلا، وغلب الموحدين عليها. وأجمع المرتضى بعدها على احتشاد أهل سلطانه، ومعاودة الخروج بنفسه إلى غزوهم لما خشي من امتداد أمرهم. وتقلّص ملك الموحّدين، فعسكر خارج حضرته سنة ثلاث وخمسين وستمائة وبعث الحاشرين في الجهات، فاجتمع إليه أمم الموحدين والعرب والمصامدة. وأغذّ السير تلقاءهم، حتى إذا انتهى إلى جبال بهلولة من نواحي فاس، وصمد إليه الأمير أبو يحيى في عساكر بني مرين، ومن اجتمع إليهم من دونهم. والتقى الجمعان هنالك. وصدقهم بنو مرين القتال، فاختلّ مصاف السلطان، وانهزمت عساكره وأسلمه قومه. ورجع إلى مراكش مفلولا. واستولى القوم على معسكره واستباحوا سرادقه وفساطيطه، وانتهبوا جميع ما وجدوا بها من المال والذخيرة، واستاقوا سائر الكراع والظهر، وامتلأت أيديهم من الغنائم. واعتزّ أمرهم، وانبسط سلطانهم، وكان يوما له ما بعده. وأغرى أثر هذه الحركة عساكر بني مرين تادلا [١] واستباح بني جابر حاميتها من جشم ببلد أبي نفيس، واستلحم أبطالهم، وألان من حدّهم، وخضّد من شوكتهم. وفي أثناء هذه الحروب كان مقتل علي بن عثمان بن عبد الحق، وهو ابن أخي الأمير أبي يحيى. شعر منه بفساد الدخلة والاجتماع للتوثّب به، فدسّ لابنه أبي حديد مفتاح بقتله، بجهات مكناسة سنة إحدى وخمسين وستمائة. والله تعالى أعلم.
[(الخبر عن فتح سجلماسة وبلاد القبلة وما كان في ذلك من الاحداث)]
لما يئس بنو عبد المؤمن من غلبهم بني مرين على ما صار في أيديهم من بلاد المغرب وعادوا إلى مدافعتهم عن صمامة الدولة التي تحملت إياها شفافهم لو أطاقوا المدافعة عنها وملك بنو مرين عامّة بلاد التلول، اعتزم الأمير أبو يحيى بعدها على الحركة إلى بلاد القبلة ففتح سجلماسة ودرعة وما إليها سنة ثلاث وخمسين وستمائة وافتتحها بمداخلة من ابن القطراني، غدر بعامل الموحّدين فتقبّض عليه، وأمكن منها الأمير
[١] كذا بالأصل في جميع النسخ، وفي معجم البلدان: تادلة.