تستكمل، ويصحّ وجودها بالموت في مادّتها وصورتها. فالمطلوبات فيها متردّدة بين النفي والإثبات دائما، بطلب أحدهما بالوسط الرابط بين الطّرفين. فإذا حصل وصار معلوما افتقر إلى بيان المطابقة، وربّما أوضحها البرهان الصّناعيّ، لكنّه من وراء الحجاب. وليس كالمعاينة الّتي في علوم الملائكة. وقد ينكشف ذلك الحجاب فيصير إلى المطابقة بالعيان الإدراكيّ. فقد تبيّن أنّ البشر جاهل بالطبع للتردّد في علمه، وعالم بالكسب والصناعة لتحصيله المطلوب بفكرة الشروط الصناعيّة. وكشف الحجاب الّذي أشرنا إليه إنّما هو بالرّياضة بالأذكار الّتي أفضلها صلاة تنتهي عن الفحشاء والمنكر، وبالتنزّه عن المتناولات المهمّة ورأسها الصوم، وبالوجهة إلى الله بجميع قواه. والله علّم الإنسان ما لم يعلم.
[الفصل الرابع عشر في علوم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]
إنّا نجد هذا الصنف من البشر تعتريهم حالة إلهيّة خارجة عن منازع البشر وأحوالهم فتغلب الوجهة الربانيّة فيهم على البشريّة في القوى الإدراكيّة والنزوعيّة من الشهوة والغضب وسائر الأحوال البدنيّة، فتجدهم متنزّهين عن الأحوال الربّانيّة، من العبادة والذكر للَّه بما يقتضي معرفتهم به، مخبرين عنه بما يوحى إليهم في تلك الحالة، من هداية الأمّة على طريقة واحدة وسنن معهود منهم لا يتبدّل فيهم كأنّه جبلّة فطرهم الله عليها. وقد تقدّم لنا الكلام في الوحي أوّل الكتاب في فصل المدركين للغيب. وبيّنّا لك أنّ الوجود كلّه في عوالمه البسيطة والمركّبة على تركيب طبيعي من أعلاها وأسفلها متّصلة كلّها اتّصالا لا ينخرم. وأنّ الذوات الّتي في آخر كلّ أفق من العوالم مستعدّة لأن تنقلب إلى الذات الّتي تجاوزها من الأسفل والأعلى، استعدادا طبيعيا، كما في العناصر