وهو قوانين يعرف بها الصّحيح من الفاسد في الحدود المعرّفة [١] للماهيّات والحجج المفيدة للتّصديقات وذلك لأنّ الأصل في الإدراك إنّما هو المحسوسات بالحواسّ الخمس. وجميع الحيوانات مشتركة في هذا الإدراك من النّاطق وغيره وإنّما يتميّز الإنسان عنها بإدراك الكلّيّات وهي مجرّدة من المحسوسات. وذلك بأن يحصل في الخيال من الأشخاص المتّفقة صورة منطبقة على جميع تلك الأشخاص المحسوسة وهي الكلّيّ. ثمّ ينظر الذّهن بين تلك الأشخاص المتّفقة وأشخاص أخرى توافقها في بعض فيحصل له صورة تنطبق أيضا عليهما باعتبار ما اتّفقا فيه. ولا يزال يرتقي في التّجريد إلى الكلّ الّذي لا يجد كلّيّا آخر معه يوافقه فيكون لأجل ذلك بسيطا. وهذا مثل ما يجرّد من أشخاص الإنسان صورة النّوع المنطبقة عليها. ثمّ ينظر بينه وبين الحيوان ويجرّد صورة الجنس المنطبقة عليهما. ثمّ ينظر بينهما وبين النّبات إلى أن ينتهي إلى الجنس العالي وهو الجوهر فلا يجد كلّيّا يوافقه في شيء فيقف العقل هنالك عن التّجريد. ثمّ إنّ الإنسان لمّا خلق الله له الفكر الّذي به يدرك العلوم والصّنائع وكان العلم: إمّا تصوّرا للماهيّات ويعنى به إدراك ساذج من غير حكم معه وإمّا تصديقا أي حكما بثبوت أمر لأمر فصار سعي الفكر في تحصيل المطلوبات إمّا بأن تجمع تلك الكلّيّات بعضها إلى بعض على جهة التّأليف فتحصل صورة في الذّهن كلّيّة منطبقة على أفراد في الخارج فتكون تلك الصّورة الذّهنيّة مفيدة لمعرفة ماهيّة تلك الأشخاص وإمّا بأن يحكم بأمر على أمر فيثبت له ويكون ذلك تصديقا. وغايته في الحقيقة راجعة إلى التّصوّر لأنّ فائدة ذلك إذا حصل إنّما هي معرفة حقائق