فأشار ونزمار على السلطان أبي العبّاس بتخريب هذه القصور وأسوار تلمسان انتقاما بزعمه من أبي حمو، وأخذا بالثأر منه فيما أعتمده من تخريب قصر الملك بتازى، وتخريب قصره هو بمرادة، فأتى عليها الخراب أسرع من لمح البصر. وبينما هو في ذلك وهو يروم السفر لاتباع أبي حمو، إذ جاءه الخبر بأنّ السلطان موسى ابن عمه السلطان أبي عنّان قد استولى على دار ملكهم بفاس، واقتعد أريكتهم، فكرّ راجعا إلى المغرب لا يلوي على شيء، وترك تلمسان لشأنها، وكان من أمره ما يأتي ذكره في أخبارهم، وطار الخبر إلى السلطان أبي حمو بمكانه من تاحجموت، فاغذّ السير إلى تلمسان ودخلها، وعاد إلى ملكه بها، وتفجّع لتلك القصور بما ذهب من رونق حسنها، وراجع دولته بني عبد الواد وسلطانهم بتلمسان والله سبحانه وتعالى أعلم.
(تجدّد المنافسة بين أولاد السلطان أبي حمو ومجاهرة أبي تاشفين بذلك لهم ولأبيه)
كان التنافس بين هؤلاء الأولاد خفيّا على الناس بما كان السلطان أبوهم يؤامل بينهم ويداري بعضهم عن بعض. فلما خرجوا أمام بني مرين وعادوا إلى تلمسان صار تنافسهم إلى العداوة. واتّهم أبو تاشفين أباه بممالأة إخوته عليه، فشمّر لعقوقه وعداوته! وشعر السلطان بذلك فأعمل الحركة إلى ناحية البطحاء موريا بإصلاح العرب، ومعتزما على لقاء ابنه المنتصر بمليانة جناحه، ويتخطّى إلى الجزائر فيجعلها دار ملكه بعد أن استخلف بتلمسان ابنه أبا تاشفين وحالفه على المناصحة. واطلع موسى بن يخلف على خبيئة السلطان بذلك، فدسّ بها إلى أبي تاشفين على عادته، فطار به الأسف كل مطار وأغذّ السير من تلمسان فيمن معه من العسكر، وصبح أباه بأسافل البطحاء قبل أن يتصل بالمنتصر، وكشف القناع عن التكبّر والتسخط على ما بلغه، فحلف له السلطان على ذلك وأرضاه بالرجوع معه إلى تلمسان فرجعا جميعا.
[(خلع السلطان أبي حمو واستبداد ابنه أبي تاشفين بالملك واعتقاله إياه)]
ولما رجع السلطان من البطحاء وبطل ما كان يؤمّله من الاتصال بالمنتصر، دسّ إليه