بنقض القصر الأبيض فإذا الّذي ينفق في نقضه أكثر من ثمن الجديد فأقصر عنه.
فقال خالد: لا أرى إقصارك عنه لئلا يقال عجزوا عن هدم ما بناه غيرهم، فأعرض عنه ونقل الأبواب إلى بغداد من واسط ومن الشام ومن الكوفة، وجعل المدينة مدوّرة وجعل قصره وسطها ليكون الناس منه على حدّ سواء. وجعل المسجد الجامع بجانب القصر وعمل لها سورين والداخل أعلى من الخارج. ووضع الحجّاج ابن ارطاة قبلة المسجد، وكان وزن اللبنة التي يبنى بها مائة رطل وسبعة عشر رطلا وطولها ذراع في ذراع، وكانت بيوت جماعة من الكتاب والقوّاد تشرع أبوابها إلى رحبة الجامع، وكانت الأسواق داخل المدينة فأخرجهم إلى ناحية الكرخ لما كان الغرباء يطرقونها ويبيتون فيها، وجعل الطرق أربعين ذراعا وكان مقدار النفقة عليها في المسجد والقصر والأسواق والفضلان والخنادق والأبواب أربعة آلاف ألف وثمانمائة ألف وثلاثة وثلاثين ألف درهم. وكان الأستاذ من البناءين يعمل يومه بقيراط، والروز كاري بحبتين، وحاسب القواد عند الفراغ منها فألزم كلّا بما بقي عنده وأخذه حتى أخذ من خالد بن الصلت منهم خمسة عشر درهما بعد أن حبسه عليها.
[العهد للمهدي وخلع عيسى بن موسى]
كان السفّاح قد عهد إلى عيسى بن موسى بن علي وولّاه على الكوفة فلم يزل عليها، فلما كبر المهدي أراه المنصور أبوه أن يقدمه في العهد على عيسى، وكان يكرمه في جلوسه فيجلس عن يمينه والمهديّ عن يساره فكلّمه في التأخر عن المهديّ في العهد فقال: يا أمير المؤمنين كيف بالإيمان التي عليّ وعلى المسلمين وأبى من ذلك، فتغيّر له المنصور وباعده بعض الشيء. وصار يأذن للمهدي قبله ولعمّه عيسى بن عليّ وعبد الصمد. ثم يدخل عيسى فيجلس تحت المهدي واستمرّ المنصور على التنكّر له وعزله عن الكوفة لثلاث عشرة سنة من ولايته، وولّى مكانه محمد بن سليمان بن علي، ثم راجع عيسى نفسه فبايع المنصور للمهدي بالعهد وجعل عيسى من بعده.
ويقال إنه أعطاه أحد عشر ألف ألف درهم ووضع الجند في الطرقات لأذاه وإشهاد خالد بن برمك عليه جماعة من الشيعة بالخلع تركت جميعها لأنها لا تليق بالمنصور وعدالته المقطوع بها فلا يصح من تلك الأخبار شيء.