كان أبو العبّاس السفّاح قد تحوّل من الحيرة إلى الأنبار في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين فأقام بها سنتين ثم توفي في ذي الحجة سنة ست وثلاثين لثلاث عشرة ليلة خلت منه ولأربع سنين وثمانين أشهر من لدن بويع وصلى عليه عمّه عيسى ودفن بالأنبار. وكان وزيره أبو الجهم بن عطيّة وكان قبل موته قد عهد بالخلافة لأخيه أبي جعفر ومن بعده لعيسى ابن أخيهما موسى، وجعل العهد في ثوب وختمه بخواتيمه وخواتيم أهل بيته ودفعه إلى عيسى، ولما توفي السفّاح وكان أبو جعفر بمكّة فأخذ البيعة على الناس عيسى بن موسى، وكتب إليه بالخبر فجزع واستدعى أبا مسلم وكان متأخرا عنه فاقرأه الكتاب فبكى واسترجع، وسكن أبا جعفر عن الجزع فقال: أخاف شرّ عبد الله بن عليّ. فقال أنا أكفيكه وعامة جنده أهل خراسان وهم أطوع لي منه فسرّي عنه. وبايع له أبو مسلم والناس وأقبلا حتى قدما الكوفة. ويقال إنّ أبا مسلم كان متقدما على أبي جعفر، فإنّ الخبر قد أتاه قبله فكتب أبو مسلم إليه يعزّيه ويهنّيه بالخلافة، وبعد يومين كتب له ببيعته وقدم أبو جعفر الكوفة سنة سبع وثلاثين وسار منها إلى الأنبار فسلّم إليه عيسى بيوت الأموال والدواوين واستقام أمر أبي جعفر.
[انتقاض عبد الله بن علي وهزيمته]
كان عبد الله بن عليّ قدم على السفّاح قبل موته فبعثه إلى الصائفة في جنود أهل الشام وخراسان فانتهى إلى دلوك ولم يدر حتى جاءه كتاب عيسى بن موسى بوفاة السفّاح وأخذ البيعة لأبي جعفر وله من بعده كما عهد به السفّاح، فجمع عبد الله الناس وقرأ عليهم الكتاب وأعلمهم أنّ السفّاح حين أراد أن يبعث الجنود إلى حرّان تكاسل بنو أبيه عنها فقال لهم: من انتدب منكم فهو وليّ عهدي فلم يندب غيري! وشهد له أبو غانم الطائي وخفاف المروزيّ وغيرهما من القوّاد وبايعوه، وفيهم حميد بن حكيم بن قحطبة وغيره من خراسان والشام والجزيرة. ثم سار عبد الله حتى نزل حرّان وحاصر مقاتل بن حكيم العكّيّ أربعين يوما وخشي من أهل خراسان فقتل منهم جماعة، وولى حميد بن قحطبة على حلب وكتب معه إلى عاملها زفر بن عاصم بقتله فقرأ الكتاب في طريقه وسار إلى العراق وجاء أبو جعفر من الحج