للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القبيل أهل الملك إذا تأذّن الله تعالى بسلب ملكهم وسلطانهم إكرام هذا الصّنف من الخلق فإذا رأيته قد ذهب من أمّة من الأمم فاعلم أنّ الفضائل قد أخذت في الذّهاب عنهم وارتقب زوال الملك منهم «وَإِذا أَرادَ الله بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ ١٣: ١١» والله تعالى أعلم.

[الفصل الحادي والعشرون في أنه إذا كانت الأمة وحشية كان ملكها أوسع]

وذلك لأنّهم أقدر على التّغلب والاستبداد كما قلناه واستعباد الطّوائف لقدرتهم على محاربة الأمم سواهم ولأنّهم يتنزّلون من الأهلين منزلة المفترس من الحيوانات العجم وهؤلاء مثل العرب [١] وزناتة ومن في معناهم من الأكراد والتّركمان وأهل اللّثام من صنهاجة وأيضا فهؤلاء المتوحّشون ليس لهم وطن يرتافون [٢] منه ولا بلد يجنحون إليه فنسبة الأقطار والمواطن إليهم على السّواء فلهذا لا يقتصرون على ملكة قطرهم وما جاورهم من البلاد ولا يقفون عند حدود أفقهم بل يظفرون إلى الأقاليم البعيدة ويتغلّبون على الأمم النّائية وانظر ما يحكى في ذلك عن عمر رضي الله عنه لمّا بويع وقام يحرّض النّاس على العراق فقال: إنّ الحجاز ليس لكم بدار إلّا على النّجعة ولا يقوى عليه أهله إلّا بذلك أين القرّاء المهاجرون عن موعد الله سيروا في الأرض الّتي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها، فقال: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ٩: ٣٣» [٣] واعتبر ذلك أيضا بحال العرب السّالفة من قبل مثل التّبابعة وحمير كيف كانوا يخطون من اليمن إلى المغرب مرّة وإلى العراق والهند أخرى ولم يكن ذلك لغير


[١] يعني ابن خلدون العرب المتوحشون الذين ذكرهم في مواضع عدة.
[٢] يعتاشون منه.
[٣] سورة الصف الآية ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>