للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاشفين من بعده سنة ثمان عشرة وسبعمائة فتنفّس مخنق الحصار عن بجاية ريثما كانت حركة السلطان إلى تونس وفتحها. ثم خرج أبو تاشفين من تلمسان لتمهيد أعماله، وقتل محمد بن يوسف بمعقله من جبل وانشريس كما نذكره في أخبارهم، فارتحل من هنالك غازيا إلى بجاية، فاطلّ عليه في سنة تسع عشر وسبعمائة وبدا له من حصنها وكثرة مقاتلتها وامتناعها ما لم يحتسب فانكفأ راجعا إلى تلمسان، وأصاب ابن عمر المرض فبعث عن عليّ ابن عمّه بمكان عمله بقسنطينة، وعهد إليه بأمره والقيام بولاية بجاية إلى أن يصل أمر السلطان.

وهلك لأيام على فراشه في شوّال من سنة تسع عشرة وسبعمائة، وقام علي بن عمر بأمر بجاية، واتصل الخبر بالسلطان فأهمّه شأن الثغر. وطيّر ابن سيّد الناس إليه مع قهرمانة داره لتحصيل تراثه والبحث عن ذخيرته فاستوفى من ذلك فوق الكثرة من الصامت والذخيرة، وقدم معه علي بن غمر، فأولاه السلطان من رضاه ما أحسب أمله، وأقام بالحضرة إلى أن كان منه خلاف مع ابن أبي عمران. ثم راجع الطاعة وقد أحفظ السلطان بولاية عدوّه. فلما عاد إلى تونس أوعز إلى مولاه نجاح هلال بقتله، فاغتالوه خارجا من بستانه فأشووه، وهلك من جراحته، والله أعلم.

[(الخبر عن إمارة الأمير أبي عبد الله على قسنطينة وأخيه الأمير أبي زكريا على بجاية وتولية ابن القالون على حجابتها)]

لما هلك ابن عمر أهمّ السلطان شأن بجاية لما كانت عليه من حال الحصار، ومطالبة بني عبد الواد لها فرأى أي أن يكشف الحامية بالثغور الغربية وينزل بها أبناءه للمدافعة والحماية، وعقد على قسنطينة لابنه الأمير أبي عبد الله وعقد على بجاية لابنه الآخر الأمير أبي زكريا وجعل حجابتها لأبي عبد الله بن القالون مستبدّا عليها لمكان صغرهما. وأكثف له الجند وأمره بالمقام ببجاية للممانعة من العدّ والملح على حصارها وارتحلوا من تونس فاتح سنة عشرين وسبعمائة في احتفال من العسكر والأصحاب والأبّهة. وأبقى خطة الحجابة خلوا ممن يقوم بها. وأبقى على ابن القالون. وبقي للتصرّف في الأمور من رجالات السلطان أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الكردي الملقّب بالمزوار. وكان مقدّما على بطانة السلطان المعروف بالدخلة. وعلى الأشغال

<<  <  ج: ص:  >  >>