ابن اثنتي عشرة سنة فلم يزل منصورا والأمر ينتقل من دولة كما ذكرناه إلى أن هلك لخمس سنين من ولايته في صفر سنة ثلاث وثمانين فحضر الأمير برقوق واستدعى الأمراء واتفقوا على نصب أخيه أمير حاج ولقبوه الصالح وأركبوه إلى الإيوان فأجلسوه على التخت وقلده الخليفة على العادة وجعل الأمير برقوق كافله في الولاية والنظر للمسلمين لصغره حينئذ عن القيام بهذه العهدة وأفتى العلماء يومئذ بذلك وجعلوه من مضمون البيعة وقرئ كتاب التقليد على الأمراء والقضاة والخاصة والعامة في يوم مشهود وانفضّ الجمع وانعقد أمر السلطان وبيعته وضرب فيها للأمير برقوق بسهم والله تعالى مالك الأمور.
[وصول أنس الغساني والد الأمير برقوق وانتظامه في الأمراء]
أصل هذا الأمير برقوق من قبيلة جركس الموطنين ببلاد الشمال في الجبال المحيطة بوطء القفجاق والروس واللان من شرقيها المطلة على بسائطهم ويقال انهم من غسان الداخلين إلى بلاد الروم مع أميرهم جبلة بن الأيهم عند ما أجفل هرقل إلى الشام وسار إلى القسطنطينية وخبر مسيره من أرض الشام وقصته مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه متناقلة معروفة بين المؤرّخين وأمّا هذا الرأي فليس على ظاهره وقبيلة جركس من الترك معروفة بين النسابين ونزولهم بتلك المواطن قبل دخول غسان وتحقيق هذا الرأي أن غسان لما دخلوا مع جبلة إلى هرقل أقاموا عنده ويئسوا من الرجوع لبلادهم وهلك هرقل واضطرب ملك الروم وانتشرت الفتنة هنالك في ممالكهم واحتاجت غسان إلى الحلف للمدافعة في الفتن وحالفوا قبائل جركس ونزلوا في بسيط جبلهم من جانبه الشرقيّ مما يلي القسطنطينية وخالطوهم بالنسب والصهر واندرجوا فيهم حتى تلاشت احياؤهم وصاروا إلى تلك الأماكن وأووا من البسائط إلى الجبال مع جركس فلا يبعد مع هذا أن تكون أنسابهم تداخلت معهم ممن انتسب إلى غسان من جركس وهو مصدّق في نسبه ويستأنس له بما ذكرناه فهو نسبة قوية في صحته والله تعالى أعلم وجلب هذا الأمير برقوق على عهد الأمير بيبقا عثمان قراجا من التجار المعروفين يومئذ بتلك الجهات فملكه بيبقا وربي في اطباق بيته وأوى من قصده وشدّ في الرماية والثقافة وتعلم آداب الملك وانسلخ من جلدة الخشونة وترشح للرّياسة والامارة والسعادة تشير اليه والعناية الربانية تحوم عليه ثم كان ما ذكرناه من شأن مماليك بيبقا ومهلك