وكانت بينهما حروب عظيمة. ثم انهزم محمد بن خزر وجموعه، ولما أحسّ بالهزيمة تحامل على سيفه فقتل نفسه، وقتل في المعركة سبعة عشر من أمراء زناتة وأسر منهم كثير وذلك سنة ستين. وسرّ المعزّ ذلك وقعد للهناء به. واستقدم بلكين بن زيري فاستخلفه على إفريقية والمغرب، وأنزله القيروان وسمّاه يوسف، وكنّاه أبا الفتوح، وولّى على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي، ولم يجعل لبلكين ولاية عليه، ولا على صاحب صقلّيّة. وجعل على جباية الأموال زيادة الله بن الغريم، وعلى الخراج عبد الجبّار الخراسانيّ، وحسين بن خلف المرصدي بنظر بلكين، وعسكر ظاهر المنصوريّة آخر شوّال من سنة إحدى وستين، وأقام على سردانية قريبا من القيروان حتى فرغ من أعماله، ولحقته عساكره وأهل بيته وعمّاله، وحمل له ما كان في قصره من الأموال والأمتعة. وارتحل بعد أربعة أشهر من مقامه وسار معه بلكين قليلا، ثم ودّعه وردّه إلى عمله، وسار هو إلى طرابلس في عساكره، وهرب بعضهم إلى جبل نفوسة فامتنعوا بها، وسار إلى برقة فقتل بها شاعره محمد بن هانئ الأندلسي، وجد قتيلا بجانب البحر في آخر رجب من سنة اثنتين وستين. ثم سار إلى الاسكندريّة وبلغها في شعبان من هذه السنة، ولقيه بها أعيان مصر فأكرمهم ووصلهم، وسار فدخل القاهرة لخمس من رمضان من هذه السنة فكانت منزله ومنزل الخلفاء بعده الى آخر دولتهم.
[(حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه على دمشق)]
كان للقرامطة على بني طفج بدمشق ضريبة يؤدّونها إليهم، فلمّا ملك ابن فلاح بدعوة المعزّ قطع تلك الضريبة، وآسفهم بذلك فرجعوا إلى دمشق وعليهم الأعصم ملكهم، فبرز إليهم جعفر بن فلاح فهزموه وقتلوه، وملكوا دمشق وما بعدها، إلى الرملة، وهرب من كان بالرملة وتحصّنوا بيافا. وملك القرامطة الرملة وجهّزوا العساكر على يافا، وساروا إلى مصر ونزلوا عين شمس وهي المعروفة لهذا العهد بالمطرية. واجتمع إليهم خلق كثير من العرب وأولياء بني طفج، وحاصروا المغاربة بالقاهرة وقاتلوهم أياما فكان الظفر بهم. ثم خرج المغاربة واستماتوا وهزمهم فرحلوا