للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعهد أو باختيار أهل العصر، إلى أن كان المستعصم آخرهم ببغداد. فلمّا استولى عليها هولاكو وقتله، افترق قرابته، ولحق بعضهم بمصر، وهو أحمد الحاكم من عقب الرّاشد، فنصبه الظّاهر بيبرس بمصر، بممالأة أهل الحلّ والعقد من الجند والفقهاء. وانتقل الأمر في بيته إلى هذا الّذي بمصر، لا يعلم خلاف ذلك. فقال لهذا الرّافع: قد سمعت مقال القضاة، وأهل الفتيا، وظهر أنه ليس لك حقّ تطلبه عندي. فانصرف راشدا.

(الرجوع عن هذا الأمير تمر الى مصر)

كنت لما لقيته، وتدليت إليه من السور كما مرّ أشار عليّ بعض الصّحاب ممن يخبر أحوالهم بما تقدمت له من المعرفة بهم، فأشار بأن أطرفه ببعض هديّة، وإن كانت نزرة فهي عندهم متأكدة في لقاء ملوكهم، فانتقيت من سوق الكتب مصحفا رائعا حسنا في جزء محذو، وسجّادة أنيقة، ونسخة من قصيدة البردة المشهورة للأبوصيري [١] في مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وأربع علب من حلاوة مصر الفاخرة. وجئت بذلك فدخلت عليه، وهو بالقصر الأبلق جالس في إيوانه، فلمّا رآني مقبلا مثل قائما وأشار إلي عن يمينه، فجلست وأكابر من الجقطيّة حفافية، فجلست قليلا، ثم استدرت بين يديه، وأشرت إلى الهدية التي ذكرتها، وهي بيد خدّامي، فوضعتها، واستقبلني، ففتحت المصحف فلما رآه وعرفه، قام مبادرا فوضعه على رأسه. ثم ناولته البردة، فسألني عنها وعن ناظمها فأخبرته بما وقفت عليه من أمرها. ثم ناولته السجّادة، فتناولها وقبّلها. ثم وضعت علب الحلوى بين يديه، وتناولت منها حرفا على العادة في التأنيس بذلك. ثم قسم هو ما فيها من الحلوى بين الحاضرين في مجلسه، وتقبّل ذلك كلّه، وأشعر بالرّضى به. ثم حومت على الكلام بما عندي في شأن نفسي، وشأن أصحاب لي هنالك. فقلت أيدك الله! لي كلام أذكره بين يديك، فقال: قل. فقلت أنا غريب بهذه البلاد غربتين، واحدة من


[١] هو شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد الدلاصي البوصيري الصنهاجي (٦٠٨- ٦٩٤) على خلاف في تاريخ الوفاة. له ترجمة في فوات الوفيات ٢/ ٢٠٥- ٢٠٩، حسن المحاضرة ١/ ٣٦٠.
ابن خلدون م ٤٧ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>