للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر لبني العبّاس ما بقيت الدّنيا، يعني أمر الخلافة. وإني أحقّ من صاحب المنصب الآن بمصر، لأن آبائي الذين ورثتهم كانوا قد استحقّوه، وصار إلى هذا بغير مستند، فاستدعى عبد الجبّار كلّا منّا في أمره، فسكتنا برهة، ثم قال: ما تقولون في هذا الحديث؟ فقال برهان الدّين بن مفلح: الحديث ليس بصحيح.

واستدعى ما عندي في ذلك فقلت: الأمر كما قلتم من أنّه غير صحيح، فقال السلطان تمر: فما الّذي أصار الخلافة لبني العبّاس إلى هذا العهد في الإسلام؟

وشافهني بالقول، فقلت: أيّدك الله! اختلف المسلمون من لدن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، هل يجب على المسلمين ولاية رجل منهم يقوم بأمورهم في دينهم ودنياهم، أم لا يجب ذلك؟ فذهبت طائفة إلى أنه لا يجب، ومنهم الخوارج، وذهب الجماعة إلى وجوبه، واختلفوا في مستند ذلك الوجوب، فذهب الشيعة كلّهم إلى حديث الوصية، وأن النبي صلّى الله عليه وسلم أوصى بذلك لعلّي، واختلفوا في تنقّلها عنه إلى عقبه إلى مذاهب كثيرة تشذّ عن الحصر. وأجمع أهل السّنّة على إنكار هذه الوصيّة، وأن مستند الوجوب في ذلك إنما هو الاجتهاد، يعنون أن المسلمين يجتهدون في اختيار رجل من أهل الحقّ والفقه والعدل، بفوّضون إليه النظر في أمورهم.

ولما تعدّدت فرق العلويّة وانتقلت الوصيّة بزعمهم من بني الحنفيّة إلى بني العبّاس، أوصى بها أبو هاشم بن محمد بن الحنفيّة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وبثّ دعاته بخراسان. وقام أبو مسلم [١] بهذه الدعوة، فملك خراسان والعراق، ونزل شيعتهم الكوفة، واختاروا للأمر أبا العبّاس السفّاح [٢] ابن صاحب هذه الدّعوة، ثم أرادوا أن تكون بيعته على إجماع من أهل السنّة والشيعة، فكاتبوا كبار الأمة يومئذ، وأهل الحلّ والعقد، بالحجاز والعراق، يشاورونهم في أمره، فوقع اختيارهم كلّهم على الرضى به، فبايع له شيعته بالكوفة بيعة إجماع وإصفاق. ثم عهد بها إلى أخيه المنصور [٣] ، وعهد بها المنصور إلى بنيه، فلم تزل متناقلة فيهم، إما


[١] أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم الخراساني. له ترجمة واسعة في وفيات ابن خلكان ١/ ٣٥٢- ٣٥٦.
[٢] أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس (١٠٤- ١٣٦) وانظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٩٩ وما بعدها.
[٣] أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس (٩٥- ١٥٨) . تاريخ الخلفاء ١٠١- ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>