للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل العشرون في أن الأمصار إذا قاربت الخراب انتقضت منها الصنائع]

وذلك لما بيّنّا أنّ الصّنائع إنّما تستجاد إذا احتيج إليها وكثر طالبها. وإذا ضعفت أحوال المصر وأخذ في الهرم بانتقاض عمرانه وقلّة ساكنه تناقص فيه التّرف ورجعوا إلى الاقتصار على الضّروريّ من أحوالهم فتقلّ الصّنائع الّتي كانت من توابع التّرف لأنّ صاحبها حينئذ لا يصحّ له بها معاشه فيفرّ إلى غيرها، أو يموت ولا يكون خلف منه، فيذهب رسم تلك الصّنائع جملة، كما يذهب النّقّاشون والصّوّاغ [١] والكتّاب والنّسّاخ وأمثالهم من الصّنائع [٢] لحاجات التّرف.

ولا تزال الصّناعات في التّناقص إلى أن تضمحلّ. والله الخلّاق العليم وسبحانه وتعالى.

[الفصل الحادي والعشرون في أن العرب أبعد الناس عن الصنائع]

والسّبب في ذلك أنّهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضريّ، وما يدعو إليه من الصّنائع وغيرها. والعجم من أهل المشرق وأمم النّصرانيّة عدوة البحر الرّوميّ أقوم النّاس عليها، لأنّهم أعرق في العمران الحضريّ وأبعد عن البدو وعمرانه. حتّى إنّ الإبل الّتي أعانت العرب على التّوحّش في القفر، والإعراق في البدو، مفقودة لديهم بالجملة، ومفقودة مراعيها، والرّمال المهيّئة لنتاجها.

ولهذا نجد أوطان العرب وما ملكوه في الإسلام قليل الصّنائع بالجملة، حتّى تجلب إليه من قطر آخر. وانظر بلاد العجم من الصّين والهند وأرض التّرك وأمم


[١] وفي نسخة الصواغون.
[٢] وفي نسخة أخرى: الصنّاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>