مكالمتهم، وقال: ما نقمتم من أمر الحكمين وقد أمر الله بهما بين الزوجين فكيف بالأمة فقالوا لا يكون هذا بالرأي والقياس فإنّ ذلك جعله الله حكما للعباد وهذا أمضاه كما أمضى حكم الزاني والسارق. قال ابن عباس: قال الله تعالى يَحْكُمُ به ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ٥: ٩٥، قالوا والأخرى كذلك وليس أمر الصيد والزوجين كدماء المسلمين. ثم قالوا له: قد كنّا بالأمس نقاتل عمرو بن العاص فان كان عدلا فعلى ما قتلناه وان لم يكن عدلا فكيف يسوغ تحكيمه؟ وأنتم قد حكمتم الرجال في أمر معاوية وأصحابه والله تعالى قد امضى حكمه فيهم أن يقتلوا أو يرجعوا وجعلتم بينكم الموادعة في الكتب وقد قطعها الله بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة.
ثم جاء عليّ إلى فسطاط يزيد بن قيس منهم بعد أن علم أنهم يرجعون إليه في رأيهم، فصلّى عنده ركعتين وولّاه على أصبهان والريّ، ثم خرج إليهم وهم في مجلس ابن عبّاس فقال من زعيمكم قالوا: ابن الكوّاء قال: فما هذا الخروج؟ قالوا لحكومتكم يوم صفين، قال أنشدكم الله أتعلمون أنّه لم يكن رأيي وإنما كان رأيكم مع أني اشترطت على الحكمين أن يحكما بحكم القرآن فان فعلا فلا ضير وإنّ خالفا فلا خير ونحن برآء من حكمهم، قالوا فتحكيم الرجال في الدماء عدل؟ قال إنّما حكمنا القرآن إلا أنه لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال، قالوا: فلم جعلتم الأجل بينكم؟ قال لعلّ الله يأتي فيه بالهدنة بعد افتراق الأمة فرجعوا إلى رأيه، وقال ادخلوا مصركم فلنمكث ستة أشهر حتى يجبى المال ويسمن الكراع ثم نخرج الى عدوّنا فدخلوا من عند آخرهم.
[أمر الحكمين]
ولما انقضى الأجل وحان وقت الحكمين بعث عليّ أبا موسى الأشعري في أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي ومعهم عبد الله بن عبّاس يصلى بهم، وأوصى شريحا بموعظة عمر، فلما سمعها قال متى كنت أقبل مشورة عليّ وأعتدّ برأيه؟ قال وما يمنعك أن تقبل من سيد المسلمين، وأساء الرّد عليه فسكت عنه. وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام والتقوا بأذرح من دومة الجندل، فكان أصحاب عمرو أطوع من أصحاب ابن عباس لابن عبّاس، حتى لم يكونوا يسألوه عن كتاب معاوية إذا جاءه، ويسأل أهل العراق ابن عبّاس ويتهمونه، وحضر مع الحكمين: