ولما شغل الناس ببيعة المسترشد ركب أخوه الأمير أبو الحسن في السفن مع ثلاثة نفر وانحدر إلى المدائن، ومنها إلى الحلّة فأكرمه دبيس، وأهمّ ذلك المسترشد وبعث إلى دبيس في إعادته مع النقيب علي بن طراد الرثيني فاعتذر بالذمام، وأنه لا يكرهه فخطب النقيب أبا الحسن أخا الخليفة في الرجوع فاعتذر بالخوف، وطلب الأمان.
ثم حدث من البرسقي ودبيس ما نذكره فتأخر ذلك إلى صفر من سنته وهي سنة ثلاث عشرة، فسار أبو الحسن بن المستظهر إلى واسط وملكها، فبادر المسترشد إلى ولاية العهد لابنه جعفر المنصور ابن اثنتي عشر سنة، فخطب له وكتب إلى البلاد بذلك، وكتب إلى دبيس بمعاجلة أخيه أبي الحسن فإنه فارق ذمامه فبعث دبيس العساكر إلى واسط فهرب منها، وصادفوه عند الصبح فنهبوا أثقاله وهرب الأكراد والأتراك عنه، وقبض عليه بعض الفرق وجاءوا به إلى دبيس فأكرمه المسترشد وأمّنه وأنزله أحسن نزل.
[انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود ثم مصالحته واستقرار جكرمش شحنة ببغداد]
كان السلطان محمد قد أنزل ابنه مسعودا بالحلّة وجعل معه حيوس بك أتابك، فلما ملك السلطان محمود بعده وفاة أبيه، ثم ولي المسترشد الخلافة بعد أبيه، وكان دبيس صاحب الحلة ممرضا في طاعته، وكان آق سنقر البرسقي شحنة بالعراق كما ذكرناه، أراد قصد الحلّة وأخلى دبيس عنها، وجمع لذلك جموعا من العرب والأكراد، وبرز من بغداد في جمادى سنة اثنتي عشرة، وبلغ الخبر إلى الملك مسعود بالموصل وأنّ العراق خال من الحامية، فأشار عليه أصحابه بقصد العراق للسلطنة فلا مانع دونها. فسار في جيوش كثيرة ومعه وزيره فخر الملك أبو علي بن عمّار صاحب طرابلس، وسيأتي خبره، وقسيم الدولة زنكي بن آق سنقر ابن الملك العادل، وصاحب سنجار، وأبو الهيجاء صاحب اربل، وكربادي بن خراسان التركماني صاحب البواريج. ولما قربوا من العراق خافهم آق سنقر البرسقي بمكان حيوس بك من الملك المسعود، وأمّا هو فقد كان أبوه محمد جعله أتابك لابنه مسعود فسار البرسقي لقتالهم، وبعثوا إليه الأمير كربادي في الصلح، وأنهم إنما جاءوا بحدّة له على دبيس فقبل، وتعاهدوا ورجعوا إلى بغداد كما مرّ خبره، وسار البرسقي لقتاله فاجتمع مع