[الفصل الحادي عشر في أن عالم الحوادث الفعلية إنما يتم بالفكر]
[١] اعلم أنّ عالم الكائنات يشتمل على ذوات محضة، كالعناصر وآثارها والمكوّنات الثّلاثة عنها، الّتي هي المعدن والنبات والحيوان. وهذه كلّها متعلّقات القدرة الإلهيّة وعلى أفعال صادرة عن الحيوانات، واقعة بمقصودها، متعلّقة بالقدرة الّتي جعل الله لها عليها: فمنها منتظم مرتّب، وهي الأفعال البشريّة، ومنها غير منتظم ولا مرتّب، وهي أفعال الحيوانات غير البشر. وذلك الفكر يدرك الترتيب بين الحوادث بالطّبع أو بالوضع، فإذا قصد إيجاد شيء من الأشياء، فلأجل الترتيب بين الحوادث لا بدّ من التفطّن بسببه أو علّته أو شرطه، وهي على الجملة مبادئه، إذ لا يوجد إلّا ثانيا عنها ولا يمكن إيقاع المتقدّم متأخّرا ولا المتأخر متقدّما. وذلك المبدأ قد يكون له مبدأ آخر من تلك المبادئ لا يوجد إلّا متأخّرا عنه، وقد يرتقي ذلك أو ينتهي. فإذا انتهى إلى آخر المبادئ في مرتبتين أو ثلاث أو أزيد، وشرع في العمل الّذي يوجد به ذلك الشّيء بدأ بالمبدإ الأخير الّذي انتهى إليه الفكر، فكان أوّل عمله. ثمّ تابع ما بعده إلى آخر المسبّبات الّتي كانت أوّل فكرته. مثلا: لو فكّر في إيجاد سقف يكنّه انتقل بذهنه إلى الحائط الّذي يدعمه، ثمّ إلى الأساس الّذي يقف عليه الحائط فهو آخر الفكر. ثمّ يبدأ في العمل بالأساس، ثمّ بالحائط، ثمّ بالسّقف.
وهو آخر العمل.
وهذا معنى قولهم:(أوّل العمل آخر الفكرة، وأوّل الفكرة آخر العمل) ، فلا يتمّ فعل الإنسان في الخارج إلّا بالفكر في هذه المرتّبات لتوقّف بعضها على
[١] هذا الفصل غير موجود في طبعة بولاق وبعض الطبعات الأخرى. نقلناه عن الطبعة الباريسية تحقيق وردت بعد: «فصل في الفكر الإنساني» .