للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حال الفنّ في حدوثه وكيف تدرّج كلام النّاس فيه صدرا بعد صدر وكلّهم يفرض العقائد صحيحة ويستنهض الحجج والأدلّة علمت حينئذ ما قرّرناه لك في موضوع الفنّ وأنّه لا يعدوه. ولقد اختلطت الطّريقتان عند هؤلاء المتأخّرين والتبست مسائل الكلام بمسائل الفلسفة بحيث لا يتميّز أحد الفنّين من الآخر. ولا يحصل عليه طالبه من كتبهم كما فعله البيضاويّ في الطّوالع ومن جاء بعده من علماء العجم في جميع تآليفهم. إلّا أنّ هذه الطّريقة قد يعنى بها بعض طلبة العلم للاطّلاع على المذاهب والإغراق في معرفة الحجاج لوفور ذلك فيها. وأمّا محاذاة طريقة السّلف بعقائد علم الكلام فإنّما هو في الطّريقة القديمة للمتكلّمين وأصلها كتاب الإرشاد وما حذا حذوه. ومن أراد إدخال الرّدّ على الفلاسفة في عقائده فعليه بكتب الغزاليّ والإمام ابن الخطيب فإنّها وإن وقع فيها مخالفة للاصطلاح القديم فليس فيها من الاختلاط في المسائل والالتباس في الموضوع ما في طريقة هؤلاء المتأخّرين من بعدهم وعلى الجملة فينبغي أن يعلم أنّ هذا العلم الّذي هو علم الكلام غير ضروريّ لهذا العهد على طالب العلم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمّة، من أهل السّنّة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودوّنوا والأدلّة العقليّة إنّما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا. وأمّا الآن فلم يبق منها إلّا كلام تنزّه البارئ عن كثير إيهاماته وإطلاقه ولقد سئل الجنيد رحمه الله عن قوم مرّ بهم بعض المتكلّمين يفيضون فيه فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: قوم ينزّهون الله بالأدلّة عن صفات الحدوث وسمات النّقص. فقال: «نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب» لكنّ فائدته في آحاد النّاس وطلبة العلم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السّنّة الجهل بالحجج النّظريّة على عقائدها. والله وليّ المؤمنين

.

<<  <  ج: ص:  >  >>