تلمسان سنة ست وتسعين وستمائة وبرز لمدافعته عثمان بن يغمراسن، فهزمه وحجزه بتلمسان، ونزل بساحتها وقتل خلقا من أهلها، ونازلها أياما. ثم أقلع عنها وقفل إلى المغرب وقضى منسك الأضحى من سنته بتازى. فأعرس هنالك لحافدة أبي ثابت ابن منديل، كان أصهر فيها إلى جدّها قبل مهلكه سنة ست وتسعين وستمائة قتيلا ببحيرة الزيتون من ظاهر فاس. قتله بعض بني ورتاجن في دم كان لهم في قومه، فثأر السلطان به من قاتله وأعرس بحافدته. وأوعز ببناء القصر بتازى، وقفل إلى فاس فاتح سنة سبع وتسعين وستمائة. ثم ارتحل إلى مكناسة وانكفأ إلى فاس. ثم نهض جمادى غازيا تلمسان ومرّ بوجدة فأوعز ببنائها وتحصين أسوارها، واتخذ بها قصبة ودارا لسكناه ومسجدا وأغزى إلى تلمسان، ونزل بساحتها، وأحاطت عساكره إحاطة الهالة بها، ونصب عليها القوس البعيدة النزع العظيمة الهيكل المسمّاة بقوس الزيار ازدلف إليه الصنّاع والمهندسون بعملها، وكانت توقر على أحد عشر بغلا. ثم لما امتنعت عليه تلمسان أفرج عنها فاتح سنة ثمان وتسعين وستمائة ومرّ بوجدة، فأنزل بها الكتائب من بني عسكر لنظر أخيه أبي يحيى بن يعقوب كما كانوا بتاوريرت، وأوعز إليهم بترديد الغزاة على أعمال ابن يغمراسن وإفساد سابلتها. وضاقت أحوالهم ويئسوا من صريخ صاحبهم، فأوفدوا على الأمير أبي يحيى وفدا منهم يسألون الأمان بمن وراءهم من قومهم، على أن يمكّنوه من قياد بلدهم، ويدينوا بطاعة السلطان، فبذل لهم من ذلك ما أرضاهم، ودخل البلد بعساكره، واتبعهم أهل تاوونت وأوفد مشيختهم جميعا على السلطان آخر جمادى، فقدموا عليه لحضرته وأدّوا طاعتهم، فقبلها. ورغبوا إليه في الحركة إلى بلادهم ليريحهم من ملكة عدوّه وعدوّهم ابن يغمراسن، ووصفوا من عسفه وجوره وضعفه عن الحماية، ما استنهض السلطان لذلك على ما يذكر إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
[(الخبر عن الحصار الكبير لتلمسان وما تخلل ذلك من الأحداث)]
لما توفّرت عزائم السلطان عن النهوض إلى تلمسان، ومطاولة حصارها إلى أن يظفر بها وبقومها، واستيقن أنه لا مدافع له عن ذلك، نهض من فاس شهر رجب من سنة