كان السلطان لهذا العهد بإفريقية من الموحدين ومن أعقاب الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي المستبدّ بإفريقية على بني عبد المؤمن ملوك مراكش أعوام خمس وعشرين وستمائة وهو أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم أبي زكريا سلسلة ملوك كلهم ولم تزل ملوك المغرب على القدم ولهذا العهد يعرفون لملوك الترك بمصر حقهم ويوجبون لهم الفضل والمزية بما خصهم الله من ضخامة الملك وشرف الولاية بالمساجد المعظمة وخدمة الحرمين وكانت المهاداة بينهم تتصل بعض الأحيان ثم تنقطع بما يعرض في الدولتين من الأحوال وكان لي اختصاص بذلك السلطان ومكان من مجلسه ولما رحلت إلى هذا القطر سنة أربع وثمانين واتصلت بهذا السلطان بمصر الملك الظاهر سألني عنه لأوّل لقيه فذكرته له بأوصافه الحميدة وما عنده من الحب والثناء ومعرفة حقه على المسلمين أجمع وعلى الملوك خصوصا في تسهيل سبيل الحج وحماية البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود أحسن الله جزاءه ومثوبته ثم بلغني أنّ السلطان بإفريقية صدّ أهلي وولدي عن اللحاق بي اغتباطا بمكاني وطلبا لفيئتي إلى بابه ورجوعي فتطارحت على هذا السلطان في وسيلة شفاعة تسهل منه الاذن فاسعفني بذلك وخاطبت ذلك السلطان كان الله له أغبطه بمودّة هذا السلطان والعمل على مواصلته ومهاداته كما كان بين سلفهم في الدولتين فقبل مني وبادر إلى اتحافه بمقرّبات أفليس عندنا في المغرب تحفة تطرف بها ملوك الشرق الا الجياد العرب وأمّا ما سوى ذلك من أنواع الطرف والتحف بالمغرب فكثير لديهم أمثاله ويقبح أن يطرف عظماء الملوك بالتافه المطروح لديهم واختار لتلك سفينته التي أعدّها لذلك وأنزل بها أهلي وولدي بوسيلة هذا السلطان أيده الله لسهولة سبيل البحر وقرب مسافته فلما قاربوا مرسى الاسكندرية عاقتهم عواصف الرياح عن احتلال السفينة وغرق معظم ما فيها من الحيوان والبضائع وهلك أهلي وولدي فيمن هلك ونفقت تلك الجياد وكانت رائعة الحسن صافية النسب وسلم من ذلك المهلك رسول جاء من ذلك السلطان لمدّ العهد وتقرّر المودّة فتلقى بالقبول والكرامة وأوسع النزل والقرى ثم اعتزم على العودة إلى مرسلة فانتقي السلطان ثيابا من الوشيّ المرقوم من عمل العراق والاسكندرية يفوت القيمة واستكثر منها واتحف بها السلطان ملك افريقية على يد هذا الرسول على عادة عظماء الملوك في اتحافهم وهداياهم وخاطبت ذلك السلطان معه يحسن الثناء على قصده وجميل موقع هديته من السلطان واستحكام