للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطيب ودعا للمستنصر فلم ينكر أحد عليه، فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد ويخطبوا للمستضيء ففعلوا، وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر. وكان العاضد في شدّة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك، وتوفي في عاشوراء من السنة، وجلس صلاح الدين للعزاء فيه واحتوى على قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه، وكان في خزائنهم من الذخيرة ما لم يسمع بمثله من أصناف الجواهر واليواقيت والزمرّد وحليّ الذهب وآنية الفضّة والذهب، ووجد ماعون القصر [١] من الموائد والطسوت والأباريق والقدور والصحاف والخوان والبواقيل والمناير والطيافر والقباقب والأسورة، كل ذلك من الذهب. ووجد من أنواع الطيوب واللباس والمذهبات والقرقبيات المعلّقات والوشي ما لا تقله الأوقار، ومن الكتب ما يناهز مائة وعشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني كاتبه وقاضيه، ومن الظهر والكراع والسلاح، ومن الخدم والوصائف خمسين ألفا، ومن المال ما يملأ مائة بيت. ثم حبس رجالهم ونساءهم حتى ماتوا، وكانت بالدولة عند عهد العزيز والحاكم قد خلا جوّها من رجالات كتامة وتفرّقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك، وانقرضوا بانقراض أمر الشيعة وموت العاضد آخر خلفائهم، وأكلتهم الأقطار والوقائع شأن الدول كما ذكرناه من قبل. ولما هلك العاضد وحوّل صلاح الدين الدعوة إلى العبّاسيّة، اجتمع قوم من الشيعة بمصر


[١] هكذا بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج ١١ ص ٣٦٩: «وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلمه أحد من أهله، وأصحابه بقطع الخطبة وقالوا: ان عوفي فهو يعلم، وان توفي فلا ينبغي ان نفجعه بمثل هذه الحادثة قبل موته، فتوفي يوم عاشوراء، ولم يعلم بقطع الخطبة.
ولما توفي جلس صلاح الدين للعزاء، واستولى على قصر الخلافة وعلى جميع ما فيه، فحفظه بهاء الدين قراقوش الّذي كان قد رتبه قبل موت العاضد، فحمل الجميع الى صلاح الدين، وكان من كثرته يخرج عن الإحصاء، وفيه من الاعلاق النفيسة والأشياء الغريبة ما تخلو الدنيا عن مثله، ومن الجواهر التي لم توجد عند غيرهم، فمنه الحبل الياقوت وزنه سبعة عشر درهما أو سبعة عشر مثقالا، انا لا أشك، فانني رأيته ووزنته. واللؤلؤ الّذي لم يوجد مثله، ومنه النصاب الزمرّد الّذي طوله اربع أصابع في عرض عقد كبير. ووجد فيه طبل كان بالقرب من موضع العاضد وقد احتاطوا بالحفظ، فلما رأوه ظنوه عمل لأجل اللعب فيه، فسخروا من العاضد فأخذه إنسان فضرب به فضرط، فتضاحكوا منه ثم آخر كذلك، وكان كل من ضرب به ضرط، فألقاه أحدهم فكسره فإذا الطبل لأجل قولنج فندموا على كسره لما قيل لهم ذلك. وكان فيه من الكتب النفيسة المعدومة المثل ما لا يعد، فباع جميع ما فيه. ونقل أهل العاضد الى موضع من القصر، ووكل بهم من يحفظهم، وأخرج جميع من فيه من أمة وعبد، فباع البعض وأعتق البعض ووهب البعض، وخلا القصر من سكانه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>