أخوك الأكبر أبو زيان. فقام أبو حمّو من مكانه وأكبّ على يد أخيه يقبّلها، وأعطاه صفقة يمينه واقتدى به المشيخة، فانعقدت بيعته لوقته واشتمل بنو عبد الواد على سلطانهم واجتمعوا إليه، وبرزوا إلى قتال عدوّهم على العادة فكأنّ عثمان لم يمت.
(وبلغ الخبر) إلى يوسف بن يعقوب بمكانه من حصارهم فتفجّع له، وعجب من صرامة قومه من بعده. واستمرّ حصاره إيّاهم إلى ثمانية سنين وثلاثة أشهر من يوم نزوله، نالهم فيها من الجهد ما لم ينله أمّة من الأمم، واضطروا إلى أكل الجيف والقطوط والفيران حتى أنهم زعموا أنهم أكلوا فيها أشلاء الموتى من الناس، وخرّبوا السقف للوقود، وغلت أسعار الأقوات والحبوب وسائر المرافق بما تجاوز حدود العوائد. وعجز وجدهم عنه فكان ثمن مكيال القمح الّذي يسمونه البرشالة ويتبايعون به، مقداره اثنا عشر رطلا ونصف مثقالين ونصفا من الذهب العين. وثمن الشخص الواحد من البقر ستين مثقالا، ومن الضأن سبعة مثاقيل ونصفا، وأثمان اللحم من الجيف الرطل من لحم البغال والحمير بثمن المثقال، ومن الخيل بعشرة دراهم صغار من سكتهم، تكون عشر المثقال والرطل من الجلد البقري ميتة أو مذكى بثلاثين درهما، والهرّ الداجن بمثقال ونصف، والكلب بمثله والفار بعشرة دراهم. والحية بمثله، والدجاجة بثلاثين درهما، والبيض واحدة بستة دراهم، والعصافير كذلك.
والأوقية من الزيت باثني عشر درهما، ومن السمن بمثلها ومن الشحم بعشرين، ومن الفول بمثلها، ومن الملح بعشرة، ومن الحطب كذلك. والأصل الواحد من الكرنب بثلاثة أثمان المثقال. ومن الخس بعشرين درهما ومن اللفت بخمسة عشر درهما، والواحدة من القثاء والفقوس بأربعين درهما، والخيار بثلاثة أثمان الدينار، والبطيخ بثلاثين درهما، والحبة من التين والإجاص بدرهمين. واستهلك الناس أموالهم وموجودهم، وضاقت أحوالهم.
واستفحل ملك يوسف بن يعقوب بمكانه من حصارها، واتسعت خطة مدينة المنصور المشيّدة عليها. ورحل إليها التجّار بالبضائع من الآفاق، واستبحرت في العمران بما لم تبلغه مدينة، وخطب الملوك سلمه ووده، ووفدت عليه رسل الموحّدين وهداياهم من تونس وبجاية، وكذلك رسل صاحب مصر والشام وهديتهم، واعتز اعتزازا لا كفاء له كما يأتي في أخباره وهلك الجند حامية بني يغمراسن وقبيلتهم وأشرفوا على الهلاك فاعتزموا على الإلقاء باليد والخروج بهم للاستماتة، فكيّف الله لهم الصنيع