للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأى سالم أصحابه أن قد أحيط بهم فلاذ بالطاعة، وحمل عليها أصحابه. وعقد لهم السلطان من ذلك ما أرادوه على أن يفارقوا الأمير أبا زيان ففعلوا. وارتحل عنهم فلحق ببلاد المغرب ريغ، ثم أجازها إلى نفطة من بلاد الجريد، ثم إلى توزر، فنزل على مقدّمها يحيى بن يملول، فأكرم نزله وأوسع قراره إلى أن كان من أمره ما نذكر.

ورجع السلطان أبو حمو إلى تلمسان وفي نفسه من سالم حرارة لكثرة اضطرابه ومراجعته الفتن، حتى توسّط فصل الشتاء، وأبعدت العرب في مشاتيها، فنهض من تلمسان في جيوش زناتة، وأغذّ السير فصبح بحصن متيجة بالغارة الشعواء. وأجفلت الثعالبة فلحقوا برءوس الجبال وامتنع سالم بجبل بني خليل. وبعثوا ابنه وأولياءه إلى الجزائر فامتنعوا بها وحاصروه أياما. ثم غلبوه على مكامنه. فانتقل إلى بني ميسرة من جبال صنهاجة. وخلّف أهله ومتاعه، وصار الكثير من الثعالبة إلى الطاعة، وابتهلوا بأمان السلطان وعهده إلى فحص متيجة، وبعث هو أخاه ثانيا إلى السلطان بانتقاضه العهد [١] ، ونزل من رأس ذلك الشاهق إلى ابنه أبي تاشفين فأوصله إلى السلطان إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان، فأخفر عهده وذمّة ابنه، وتقبّض عليه صبيحة ليلته. وبعث قائده إلى الجزائر فاستولى عليها وأقام دعوته بها، وأوفد عليه مشيختها فتقبّض عليهم، وعقد على الجزائر لوزيره موسى بن مرعوت [٢] ، ورجع إلى تلمسان فقضى بها عيد النحر، ثم أخرج سالم بن إبراهيم من محبسه إلى خارج البلد، وقتل قعصا بالرماح، ونصب شلوه وأصبح مثلا للآخرين، وللَّه البقاء.

وعهد السلطان لابنه المنتصر على مليانة وأعمالها، ولابنه أبي زيان على وهران.

وراسله ابن يملول صاحب توزر، وصهره ابن قرى صاحب بسكرة وأولياؤهما من الكعوب والزواودة لما أهمهم أمر السلطان أبي العبّاس، وخافوه على أمصارهم فراسلوا أبا حمّو يضمنون له مسالمة أبي زيّان على أن يوفي لهم بما اشترط له من المال، وعلى أن يشبّ نار الفتنة من قبله على بلاد الموحّدين ليشغل السلطان أبا العباس عنهم على حين عجزه [٣] وضعف الدولة عنه. فأوهمهم من نفسه القدرة وأطمعهم في ذلك.


[١] وفي نسخة ثانية العبارة مختلفة تماما: وبعث هو أخاه ثابتا الى السلطان، فاقتضى له العهد.
[٢] وفي نسخة ثانية: موسى بن برغوث وقد مرّ معنا من قبل في غير هذا المكان.
[٣] الضمير هنا يعود الى أبي حمّو.

<<  <  ج: ص:  >  >>