النصرانية هنالك ورجع. وقدم عليه سنة ست ومائتين من العراق زرآب المغنّي مولى المهدي ومعلم إبراهيم الموصلي، واسمه علي بن نافع فركب لتلقيه وبالغ في إكرامه، وأقام عنده بخير حال، وأورث صناعة الغناء بالأندلس وخلف ولده مخلفة كبيرهم عبد الرحمن في صناعته وحظوته. وفي سنة سبع كانت وقعة بالثغر كان الحكم قد قبض على عاملها ربيع، وصلبه حيّا لما بلغه من ظلمه، وهلك الحكم أثر ذلك فتوافى المتظلّمون من ربيع إلى قرطبة يطلبون ظلاماتهم، ومعظمهم جند البيرة ووقفوا بباب القصر وشغبوا، وبعث عبد الرحمن من يسكتهم فلم يقبلوا فركبت العساكر إليهم وأوقعوا بهم ونجا الفلّ منهم إلى البيرة وبالشر، وتتبعهم عبد الرحمن. وفي هذه السنة نشأت الفتنة بين المضريّة واليمانيّة واقتتلوا، فهلك منهم نحو من ثلاثة آلاف وبعث عبد الرحمن إليهم يحيى بن عبد الله بن خالد في جيش كثيف ليكفّهم عن الفتنة فكفّوا عن القتال لما أحسوا بوصوله. ثم عاودوا الحرب عند مغيبه، وأقاموا على ذلك سبع سنين. وفي سنة ثمان ومائتين أغزا حاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث إلى ألبة والقلاع فخرّب كثيرا من البلاد وانتسفها، وفتح كثيرا من حصونهم وصالح بعضا على الجزية واطلاق أسرى المسلمين، وانصرف ظافرا وفي سنة ثلاث عشرة انتقض عليه أهل ماردة وقتلوا عامله فبعث إليهم العساكر فافتتحوها وعاودوا الطاعة وأخذوا رهائنهم وخرّبوا سورها، ورجعوا عنهم. ثم أمر عبد الرحمن بنقل حجارة السور إلى النهر فعاودوا الخلاف وأسروا العامل وأصلحوا سورهم فسار إليهم عبد الرحمن سنة أربع عشرة ومائتين وحاصرهم فامتنعوا عليه. ثم بعث العساكر سنة سبع عشرة فحاصرها فامتنعوا ثم حاصرها سنة عشرين وافتتحها ونجا فلّهم مع محمود ابن عبد الجبّار منهم إلى منت شلوط فاعتصم بها سنة عشرين ومائتين، فبعث عبد الرحمن العساكر لحصاره فلحق بدار الحرب واستولى على حصن من حصونهم أقام به خمسة أعوام حتى حاصره أدفونش ملك الجلالقة، وافتتح الحصن وقتل محمودا وجميع أصحابه سنة خمس وعشرين. وفي سنة خمس عشرة خرج بمدينة طليطلة هاشم الضرّاب من أهل واقعة الربض واشتدّت شوكته واجتمعت له الخلق وأوقع بأهل شنت بريّة، فبعث عبد الرحمن العساكر لقتاله فلم يصيبوا منه، ثم بعث عساكر أخرى فقاتلوه بنواحي دورقة فهزموه وقتل هو وكثير من أصحابه واستمرّ أهل طليطلة على الخلاف. وبعث عبد الرحمن ابنه أمية لحصارها فحاصرها مدّة ثم أفرج