للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أساليبه فلا يحصل لصاحبه ملكة في اللّسان العربيّ وحظّه الجمود في العبارات وقلّة التّصرّف في الكلام. وربّما كان أهل إفريقية في ذلك أخفّ من أهل المغرب لما يخلطون في تعليمهم القرآن بعبارات العلوم في قوانينها كما قلناه فيقتدرون على شيء من التّصرّف ومحاذاة المثل بالمثل إلّا أنّ ملكتهم في ذلك قاصرة عن البلاغة كما سيأتي في فصله. وأمّا أهل الأندلس فأفادهم التّفنّن في التّعليم وكثرة رواية الشّعر والتّرسّل ومدارسة العربيّة من أوّل العمر، حصول ملكة صاروا بها أعرف في اللّسان العربيّ. وقصّروا في سائر العلوم لبعدهم عن مدارسة القرآن والحديث الّذي هو أصل العلوم وأساسها. فكانوا لذلك أهل حظّ وأدب بارع أو مقصّر، على حسب ما يكون التّعليم الثّاني من بعد تعليم الصّبيّ [١] . ولقد ذهب القاضي أبو بكر بن العربيّ في كتاب رحلته إلى طريقة غريبة في وجه التّعليم وأعاد في ذلك وأبدأ وقدّم تعليم العربيّة والشّعر على سائر العلوم كما هو مذهب أهل الأندلس. قال: «لأنّ الشّعر ديوان العرب ويدعو على تقديمه وتعليم [٢] العربيّة في التّعليم ضرورة فساد اللّغة ثمّ ينتقل منه إلى الحساب فيتمرّن فيه حتّى يرى القوانين ثمّ ينتقل إلى درس القرآن فإنّه يتيسّر عليك بهذه المقدّمة» . ثمّ قال:

«ويا غفلة أهل بلادنا في أن يؤخذ الصّبيّ بكتاب الله في أوامره [٣] يقرأ ما لا يفهم وينصب في أمر غيره أهمّ ما عليه منه» . ثمّ قال: «ينظر في أصول الدّين ثمّ أصول الفقه ثمّ الجدل ثمّ الحديث وعلومه» ونهى مع ذلك أن يخلط في التّعليم علمان إلّا أن يكون المتعلّم قابلا لذلك بجودة الفهم والنّشاط. هذا ما أشار إليه القاضي أبو بكر رحمه الله وهو لعمري مذهب حسن إلّا أنّ العوائد لا تساعد عليه وهي أملك بالأحوال ووجه ما اختصّت به العوائد من تقدّم دراسة القرآن إيثارا للتّبرّك والثّواب، وخشية ما يعرض للولد في جنون الصّبيّ من الآفات والقواطع


[١] وفي نسخة أخرى: الصبا.
[٢] وفي نسخة أخرى: تقديم.
[٣] وفي نسخة أخرى: أول عمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>