للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربيّة وحفظها وتجويد الخطّ والكتاب. ولا تختصّ عنايتهم في التّعليم بالقرآن دون هذه، بل عنايتهم فيه بالخطّ أكثر من جميعها إلى أن يخرج الولد من عمر البلوغ إلى الشّبيبة وقد شدا [١] بعض الشّيء في العربيّة والشّعر والبصر بهما وبرّز في الخطّ والكتاب وتعلّق بأذيال العلم على الجملة لو كان فيها سند لتعليم العلوم.

لكنّهم ينقطعون عن ذلك لانقطاع سند التّعليم في آفاقهم ولا يحصل بأيديهم إلّا ما حصل من ذلك التّعليم الأوّل. وفيه كفاية لمن أرشده الله تعالى واستعداد إذا وجد المعلّم. وأمّا أهل إفريقية فيخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب ومدارسة قوانين العلوم وتلقين بعض مسائلها إلّا أنّ عنايتهم بالقرآن واستنظار [٢] الولدان إيّاه ووقوفهم على اختلاف رواياته وقراءاته أكثر ممّا سواه وعنايتهم بالخطّ تبع لذلك. وبالجملة فطريقهم في تعليم القرآن أقرب إلى طريقة أهل الأندلس لأنّ سند طريقتهم في ذلك متّصل بمشيخة الأندلس الّذين أجازوا عند تغلّب النصارى على شرق الأندلس، واستقرّوا بتونس وعنهم أخذ ولدانهم بعد ذلك. وأمّا أهل المشرق فيخلطون في التّعليم كذلك على ما يبلغنا ولا أدري بم عنايتهم منها. والّذي ينقل لنا أنّ عنايتهم بدراسة القرآن وصحف العلم وقوانينه في زمن الشّبيبة ولا يخلطون بتعليم الخطّ بل لتعليم الخطّ عندهم قانون ومعلّمون له على انفراده كما تتعلّم سائر الصّنائع ولا يتداولونها في مكاتب الصّبيان. وإذا كتبوا لهم الألواح فبخطّ قاصر عن الإجادة ومن أراد تعلّم الخطّ فعلى قدر ما يسنح له بعد ذلك من الهمّة في طلبه ويبتغيه من أهل صنعته. فأمّا أهل إفريقية والمغرب فأفادهم الاقتصار على القرآن القصور عن ملكة اللسان جملة وذلك أنّ القرآن لا ينشأ عنه في الغالب ملكة لما أنّ البشر مصروفون عن الإتيان بمثله فهم مصروفون لذلك عن الاستعمال على أساليبه والاحتذاء بها. وليس لهم ملكة في غير


[١] شد من المعلم: أخذ.. (قاموس) .
[٢] وفي نسخة أخرى: استظهار.

<<  <  ج: ص:  >  >>