للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الّتي فيها كسبهم ومعاشهم وربّما تدعوهم الضّرورة إلى شيء من المال فيبيعون تلك السّلع على كساد من الأسواق بأبخس ثمن. وربّما يتكرّر ذلك على التاجر والفلّاح منهم بما يذهب رأس ماله فيقعد عن سوقه ويتعدّد ذلك ويتكرّر ويدخل به على الرّعايا من العنت والمضايقة وفساد الأرباح ما يقبض آمالهم عن السّعي في ذلك جملة ويؤدّي إلى فساد الجباية فإنّ معظم الجباية إنّما هي من الفلّاحين والتّجّار ولا سيّما بعد وضع المكوس ونموّ الجباية بها فإذا انقبض الفلّاحون عن الفلاحة وقعد التّجّار عن التّجارة ذهبت الجباية جملة أو دخلها النّقص المتفاحش وإذا قايس السّلطان بين ما يحصل له من الجباية وبين هذه الأرباح القليلة وجدها بالنّسبة إلى الجباية أقلّ من القليل ثمّ إنّه ولو كان مفيدا فيذهب له بحظّ عظيم من الجباية فيما يعانيه من شراء أو بيع فإنّه من البعيد أن يوجد فيه من المكس ولو كان غيره في تلك الصّفقات لكان تكسّبها كلّها حاصلا من جهة الجباية ثمّ فيه التّعرّض لأهل عمرانه واختلال الدّولة بفسادهم ونقصهم فإنّ الرّعايا إذا قعدوا عن تثمير أموالهم بالفلاحة والتّجارة نقصت وتلاشت بالنّفقات وكان فيها تلاف أحوالهم، فافهم ذلك [١] وكان الفرس لا يملّكون عليهم إلّا من أهل بيت المملكة ثمّ يختارونه من أهل الفضل والدّين والأدب والسّخاء والشّجاعة والكرم ثمّ يشترطون عليه مع ذلك العدل وأن لا يتّخذ صنعة فيضرّ بجيرانه ولا يتاجر فيحبّ غلاء الأسعار في البضائع وأن لا يستخدم العبيد فإنّهم لا يشيرون بخير ولا مصلحة. واعلم أنّ السّلطان لا ينمي ماله ولا يدرّ موجودة إلّا الجباية وإدرارها إنّما يكون بالعدل في أهل الأموال والنّظر لهم بذلك فبذلك تنبسط آمالهم وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها فتعظم منها جباية


[١] علق الدكتور علي عبد الواحد وافي على ذلك في نسخة لجنة البيان العربيّ فيقول:
(يتفق ما يراه ابن خلدون في صدد الأضرار المترتبة على دخول الحكومة مشترية في السوق وعلى اشتغالها بالتجارة أو احتكارها لبعض الأصناف واعتبار ذلك ضرائب غير مباشرة على المستهلكين ... يتفق ذلك مع ما يراه كثير من المحدثين من علماء الاقتصاد السياسي. انظر كتابنا في «الاقتصاد السياسي» فصل «المنافسة الحرة» . ص ١٩٤- ٢٠٠ في الطبعة الخامسة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>