للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرتضى ابن السيّد أبي إبراهيم إسحاق الّذي كان قائد عسكر الموحدين في حربهم مع بني مرين عام المشغلة، ابن أمير المؤمنين أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن. كان السعيد تركه واليا بقصبة رباط الفتح من سلا، فاستدعاه الموحدون وبايعوه بيعة الخلافة. وقام بأمرهم، فلما تغلّب الأمير أبو يحيى على بلاد المغرب وملك مدينة فاس كما ذكرناه، خرج إلى بلاد فازاز والمعدن لفتح بلاد زناتة وتدويخ نواحيها.

واستعمل على فاس مولاه السعود بن خرباش، من جماعة الحشم أخلاف بني مرين وصنائعهم. وكان الأمير أبي يحيى استبقى بها من كان فيها من عسكر الموحدين من غير عيصهم في السبيل التي كانوا عليها من الخدمة. وكان فيهم طائفة من الروم، استخدمهم إلى نظر قائدهم شأنه، وكانوا من حصّة السعود هنالك. ووقعت بينهم وبين شيع الموحدين من أهل البلد مداخلة، وفكوا بالسعود عاملهم وقلبوا الدعوة للمرتضى الخليفة بمراكش سكيت الحلبة ومخلف المضمار. وكان المتولي لكبر تلك الثورة ابن حشّار المشرف وأخوه وابن أبي طاهر [١] وابنه، اجتمعوا إلى القاضي أبي عبد الرحمن المغيلي، زعيم فئة الشورى بينهم يومئذ وتوامروا فيها. وأغروا قائد الروم بقتل السعود، وعدوا عليه بمقعد حكمه من القصبة، وهاجوه ببعض المحاورات فغضب. ووثب عليه الرومي، فقتله وطاف برأسه الهاتف بسكك المدينة في شوال سنة سبع وأربعين وستمائة. وانتهبت داره، واستبيحت حرمه. ونصبوا قائد الروم لضبط البلد، وبعثوا بيعتهم إلى المرتضى. واتصل الخبر بالأمير أبي يحيى، وهو منازل بلد فازاز، فأفرج عنها. وأغذّ السير إلى فاس، فأناخ بعساكره عليها. وشمّر لحصارها، وقطع السابلة عنها. وبعثوا إلى المرتضى بالصريخ، فلم يرجع إليهم قولا، ولا ملك لهم ضرّا ولا نفعا، ولا وجّه لما نزل بهم وجها. حاشا إنّه استجاش بالأمير أبي يحيى يغمراسن بن زيان على أمره، وأغراه بعدوه، وأمّله لكشف هذه النازلة عمن انحاش إلى طاعته.

وتعلّقت أطماع يغمراسن بطروق بلاد المغرب، فاحتشد لحركته. ونهض من تلمسان للأخذ بحجزة الأمير أبي يحيى عن فاس، وإجابة صريخ الخليفة لذلك. وبلغ الأمير أبا يحيى خبر نهوضه إليه لتسعة أشهر من منازلته البلد، فجمّر الكتائب عليها.


[١] كذا، في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: طاطو.

<<  <  ج: ص:  >  >>