للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخل بلخ بن بشر من أهل الشام ناجيا من وقعة كلثوم بن عيّاض مع البربر فثار على عبد الملك وقتله، وانحاز الفهريّون إلى جانب فامتنعوا عليه وكاشفوه واجتمع عليهم من نكر فعلته بابن قطن وقام بأمرهم قطن وأميّة ابنا عبد الملك بن قطن، والتقوا فكانت الدبرة على الفهريّين، وهلك بلخ من الجراح التي أصابته في حربهم وذلك سنة أربع وعشرين لسنة أو نحوها من إمارته، ثم ولي ثعلبة بن سلامة الجذامي، غلب على إمارة الأندلس بعد مهلك بلخ وانحاز عنه الفهريّون فلم يطيعوه، وولي سنين أظهر فيها العدل ودانت له الأندلس عشرة أشهر إلى أن ثار به العصبة اليمانية فعسر أمره، وهاجت الفتنة. وقدم أبو الخطّار حسام بن ضرار الكلبي من قبل حنظلة بن صفوان عامل إفريقية، وركب إليها البحر من تونس سنة خمس وعشرين فدانت له أهل الأندلس وأقبل إليه ثعلبة وابن أبي سعد، وابنا عبد الملك فلقيهم وأحسن إليهم واستقام أمره. وكان شجاعا كريما ذا رأي وحزم، وكثر أهل الشام عنده ولم تحملهم قرطبة ففرّقهم في البلاد، وأنزل أهل دمشق البيرة لشبهها بها وسمّاها دمشق، وأنزل أهل حمص إشبيليّة وسمّاها حمص لشبهها بها، وأهل قنّسرين حسان وسمّاها قنسرين، وأهل الأردن ريّه وهي مالقة وسمّاها الأردن. وأهل فلسطين شدونة وهي شريش وسمّاها فلسطين، وأهل مصر تدمير وسمّاها مصر، وقفل ثعلبة إلى الشرق ولحق بمروان بن محمد وحضر حروبه وكان أبو الخطاب [١] أعرابيّا عصبيا أفرط عند ولايته في التعصّب لقومه من اليمانية وتحامل على المصريّة، وأسخط قيسا وأمر في بعض الأيام بالضّميل بن حاكم كبير القيسيّة، وكان من طوالع بلخ وهو الضّميل بن حاكم بن شمر بن ذي الجوشن، ورأس على الحصرية [٢] ، فأمر به يوما فأقيم من مجلسه وتقنع، فقال له بعض الحجّاب وهو خارج من القصر: أقم عمامتك يا أبا الجوشن، فقال: إن كان لي قوم فسيقيمونها فسار الضّميل بن حاكم زعيمهم يومئذ، وألّب عليه قومه، واستعان بالمنحرفين عنه من اليمنيّة فخلع أبا الخطّاب سنة ثمان وعشرين لأربع سنين وتسعة أشهر من ولايته، وقدّم مكانه ثوابة بن سلامة الجذاميّ وهاجت الحرب المشهورة. وخاطبوا بذلك عبد الرحمن بن حبيب صاحب إفريقية فكتب إلى ثوابة بعهده على الأندلس، منسلخ


[١] ابو الخطار: ابن الأثير ج ٥ ص ٢٧٢.
[٢] الأصح ان يقال: ورأس الحصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>