للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استحقاق الأمر بالوصية. وتكرّر خروجهم عليهم، فأثخنوا فيهم بالقتل والأسر، حتى توغّرت الصدور واستحكمت الأوتار وتعدّدت فرق الشيعة باختلافهم في مساق الخلافة من عليّ إلى من بعده من بني هاشم. فقوم ساقوها إلى آل العبّاس، وقوم إلى آل الحسن، وآخرون إلى آل الحسين، فدعت شيعة آل العبّاس بخراسان وقام بها اليمنية فكانت الدولة العظيمة الحائزة للخلافة ونزلوا بغداد واستباحوا الأمويين قتلا وسبيا. وخلص من جاليتهم إلى الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام، فجدّد بها دعوة الأمويين واقتطع ما وراء البحر عن ملك الهاشميين فلم تخفق لهم به راية.

(ثم نفس) آل أبي طالب على آل العبّاس ما أكرمهم الله به من الخلافة والملك، فخرج المهدي محمد بن عبد الله المدعوّ بالنفس الزكية في بني أبي طالب على أبي جعفر المنصور، وكان من أمرهم ما هو مذكور واستلحمتهم جيوش بني العبّاس في وقائع عديدة. وفرّ إدريس بن عبد الله أخو المهدي من بعض وقائعهم إلى المغرب الأقصى فأجاره البرابرة من أوربة ومقيلة وصدينة، وقاموا بدعوته ودعوة بنيه من بعده، ونالوا به الملك وغلبوا على المغرب الأقصى والأوسط، وبثّوا دعوة إدريس وبنيه من أهله بعده في أهله من زناتة مثل بني يفرن ومغراوة وقطعوه من ممالك بني العبّاس. واستمرّت دولتهم إلى حين انقراضها على يد العبيديّين.

ولم يزل الطالبيون أثناء ذلك بالمشرق ينزعون إلى الخلافة ويبثّون دعاتهم بالقاصية إلى أن دعا أبو عبد الله المحتسب بإفريقية إلى المهديّ ولد إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق، فقام برابرة كتامة ومن إليهم من صنهاجة وملكوا إفريقية من يد الأغالبة، ورجع العرب إلى مركز ملكهم بالمشرق، ولم يبق لهم في نواحي المغرب دولة، ووضع العرب ما كان على كاهلهم من أمر المغرب ووطأة مضر بعد أن رسخت الملّة فيهم، وخالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، واستيقنوا بوعد الصادق أنّ الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده. فلم تنسلخ الملة بانسلاخ الدولة ولا تقوّضت مباني الدين بتقويض معالم الملك، وعدا من الله لن يخلفه في تمام أمره وإظهار دينه على الدين كلّه. فتناغى حينئذ البربر في طلب الملك والقيام بدعوة الأعياص من بني عبد مناف يسدّون منها حسدا في ارتقاء [١] إلى أن ظفروا من ذلك بحظّ مثل كتامة بإفريقية،


[١] وفي نسخة ثانية: يسترون منها حسوا في ارتغاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>