للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجوارح بزاة وصقورا وكلابا سلوقية وفهودا، فيرسلونها على الوحش في تلك القوراء، وقد وثقوا باعتراض البناء لها من أمام فيقضي وطرا من ذلك القنيص سائر يومه، فكان ذلك من أفخم ما عمل في مثلها. ثم وصل ما بين قصوره ورياض رأس الطائبة [١] بحائطين ممتدّين يجوزان عرض العشرة أذرع أو نحوها طريقا سالكا ما بينهما، وعلى ارتفاع عشرة أذرع يحتجب به الحرم في خروجهنّ إلى تلك البساتين عن ارتفاع العيون عليهنّ، فكان ذلك مصنعا فخما وأثرا على أيام الدولة خالدا.

ثم بنى بعد ذلك الصرح العالي بفناء داره ويعرف بقبة أساراك. وأساراك باللسان المصمودي هو القوراء الفسيحة. وهذا الصرح هو إيوان مرتفع السماك متباعد الأقطار متّسع الأرجاء يشرع منه إلى الغرب، وجانبيه ثلاثة أبواب لكل باب منها مصرعان من خشب مؤلف الصنعة ينوء كل مصراع منها في فتحه وغلقه بالعصبة أولي القوة.

ويفضي بابها الأعظم المقابل لسمت الغرب الى معارج قد نصبت للظهور عليها عريضة ما بين الجوف إلى القبلة بعرض الإيوان، يناهز عددها الخمسين أو نحوها، ويفضي البابان عن جانبيه إلى طريقين ينتهيان إلى حائط القوراء. ثم ينعطفان إلى ساحة القوراء يجلس السلطان فيها على أريكته مقابل الداخل أيام العرض والفود [٢] ومشاهد الأعياد، فجاءت من أضخم الأواوين وأحفل المصانع التي تشهد بأبّهة الملك وجلالة الدولة.

واتخذ أيضا بخارج حضرته البستان الطائر الذكر المعروف بأبي فهر، يشتمل على جنّات معروشات وغير معروشات، اغترس فيها من شجره كلّ فاكهة من أصناف التين والزيتون والرمّان والنخيل والأعناب، وسائر الفواكه وأصناف الشجر. ونضّد كل صنف منها في دوحة حتى لقد اغترس من السدر والطلح والشجر البريّ، وسمّى دوح هذه بالشعراء واتخذ وسطها البساتين والرياض بالمصانع والحوائز [٣] وشجر النور والنزه من الليم والنارنج والسرو والرّيحان، وشجر الياسمين، والخيريّ والنيلوفر وأمثاله. وجعل وسط هذه الرياض روضا فسيح الساحة، وصنع فيه للماء حائزا من عداد البحور [٤] ، جلب إليه الماء في القناة القديمة، كانت ما بين عيون زغوان


[١] وفي نسخة أخرى: الطالبية، وفي النسخة الباريسية: الطابية.
[٢] كذا، وفي ب: والقود. وفي نسخة أخرى: والوفود.
[٣] كذا، وفي ب: والحدائق. وفي نسخة أخرى: والجرار.
[٤] وفي نسخة أخرى: وصنع فيه للماء حاجزا من أعواد الحور.

<<  <  ج: ص:  >  >>