للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التّرف وتكثر مقادير الأعطيات لذلك فينقص عدد الحامية وثالثا ورابعا إلى أن يعود العسكر إلى أقلّ الأعداد فتضعف الحماية لذلك وتسقط قوّة الدّولة ويتجاسر عليها من يجاوزها من الدّول أو من هو تحت يديها من القبائل والعصائب ويأذن الله فيها بالفناء الّذي كتبه على خليقته وأيضا فالتّرف مفسد للخلق بما يحصل في النّفس من ألوان الشّرّ والسّفسفة [١] وعوائدها كما يأتي في فصل الحضارة فتذهب منهم خلال الخير الّتي كانت علامة على الملك ودليلا عليه ويتّصفون بما يناقضها من خلال الشّرّ فيكون علامة على الإدبار والانقراض بما جعل الله من ذلك في خليقته وتأخذ الدّولة مبادئ العطب وتتضعضع أحوالها وتنزل بها أمراض مزمنة من الهرم إلى أن يقضى عليها. الوجه الثّالث أنّ طبيعة الملك تقتضي الدّعة كما ذكرناه وإذا اتّخذوا الدّعة والرّاحة مألفا وخلقا صار لهم ذلك طبيعة وجبلّة شأن العوائد كلّها وإيلافها فتربى أجيالهم الحادثة في غضارة العيش ومهاد التّرف والدّعة وينقلب خلق التّوحّش وينسون عوائد البداوة الّتي كان بها الملك من شدّة البأس وتعوّد الافتراس وركوب البيداء وهداية القفر فلا يفرق بينهم وبين السّوقة من الحضر إلّا في الثّقافة والشّارة فتضعف حمايتهم ويذهب بأسهم وتنخضد شوكتهم ويعود وبال ذلك على الدّولة بما تلبّس من ثياب الهرم ثمّ لا يزالون يتلوّنون بعوائد التّرف والحضارة والسّكون والدّعة ورقّة الحاشية في جميع أحوالهم وينغمسون فيها وهم في ذلك يبعدون عن البداوة والخشونة وينسلخون عنها شيئا فشيئا وينسون خلق البسالة الّتي كانت بها الحماية والمدافعة حتّى يعودوا عيالا على حامية أخرى إن كانت لهم واعتبر ذلك في الدّول الّتي أخبارها في الصّحف لديك تجد ما قلته لك من ذلك صحيحا من غير ريبة وربّما يحدث في الدّولة إذا طرقها هذا الهرم بالتّرف والرّاحة أن يتخيّر صاحب الدّولة أنصارا وشيعة من غير جلدتهم ممّن تعوّد الخشونة فيتّخذهم جندا يكون أصبر على الحرب وأقدر على


[١] الرديء من كل شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>