للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هلك في حكاية منقولة في كتب الأخباريين.

قال الطبري: وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم مغارا وأشدّهم حزما وأوّل من استجمع له الملك بأرض العراق وسرى بالجيوش، وكان به برص فكنوا عنه بالوضّاح إجلالا له، وكانت منازله بين الحيرة والأنبار وهيت ونواحيها وعين التمر [١] وأطراف البر إلى العمى والقطقطانيّة وجفنة، وكانت تجبى إليه الأموال وتفد إليه الوفود، وغزا في بعض الأيام طسما وجديسا في منازلهم باليمامة، ووجد حسّان بن تبّع قد أغار عليهم فانفكأ هو راجعا بمن معه، وأتت خيول حسّان على سرايا فأجاحوها. وكان أكثر غزو جذيمة للعرب العاربة، وكان قد تكهن وادعى النبوّة، وكانت منازل إياد بعين أباغ سميت باسم رجل من العمالقة نزل بها وكان جذيمة كثيرا ما يغزوهم حتى طلبوا مسالمته، وكان بينهم غلام من لخم من بني أختهم وكانوا أخوالا له وهو عديّ بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم، وكان له جمال وضرب وطلبه منهم جذيمة فامتنعوا من تسليمه إليه، فألح عليهم بالغزو وبعثت إياد من سرق لهم صنمين كانا عند جذيمة يدعو بهما ويستسقى بهما وعرّفوه أنّ الصنمين عندهم وأنهم يردّونهما بشريطة رفع الغزو عنهم، فأجابهم إلى ذلك بشريطة أن يبعثوا مع الصنمين عديّ بن نصر فكان ذلك.

ولما جاءه عديّ بن نصر استخلصه لنفسه وولّاه شرابه، وهويته رقاش أخته فراسلته فدافعها بالخشية من جذيمة، فقالت له اخطبني منه إذا أخذت الخمر منه وأشهد عليه القول ففعل، وأعرس بها من ليلته، وأصبح مضرجا بالخلوق. وراب جذيمة شأنه ثم أعلم بما كان منه فعض على يديه أسفا، وهرب عديّ فلم يظهر له أثر، ثم سألها في أبيات شعر معروفة فأخبرته بما كان منه فعرف عذرها وكف، وأقام عديّ في أخواله إياد إلى أن هلك، وولدت رقاش منه غلاما وسمته عمرا وربي عند خاله جذيمة وكان يستظرفه ثم استهوته الجن فغاب وضرب له جذيمة في الآفاق إلى أن ردّه عليه وافدان من العتقاء، ثم من قضاعة وهما مالك وعقيل ابنا فارج بن مالك بن العنس أهديا له طرفا ومتاعا، ولقيا عمرا بطريقهما وقد ساءت حاله وسألاه فأخبرهما باسمه ونسبه فأصلحا من شأنه وجاءا به إلى جذيمة بالحيرة فسرّ به وسرّت أمّه. وحكم الرجلين فطلبا منادمته فأسعفهما وكانا ينادمانه حتى ضرب المثل بهما وقيل ندماني


[١] تقع في الجنوب الغربي من كربلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>