للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرهن على عادتهم، فأعطاهم قوسه واستكبر عن استرهان ولده، توقعوا [١] منه عجزا عما سواها وانتقلت خلال الخير من العجم ورجالات فارس فصارت أغلب في العرب حتى كان الواحد منهم همّه بخلافه [٢] وشرفه الشرّ والسفسفة على أهل دول العجم. وانظر فيما كتب به عمر إلى أبي عبيدة بن المثنى حين وجهه الى حرب فارس: «انك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والحيرة [٣] تقدم على أقوام قد جرءوا على الشرّ فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون» أهـ. وتنافست العرب في الخلال وتنازعوا في المجد والشرف حسبما هو مذكور في أيامهم وأخبارهم.

وكان حظ قريش من ذلك أوفر على نسبة حظهم من مبعثه [٤] وعلى ما كانوا ينتحلونه من هدى آبائهم، وانظر ما وقع في حلف الفضول حيث اجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزّى وبنو زهرة وبنو تميم، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكّة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلّا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى تردّ عليه مظلمته، وسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.

وفي الصحيح عن طلحة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعي به في الإسلام لأجبت» . ثم ألقى الله في قلوبهم التماس الدين وإنكار ما عليه قومهم من عبادة الأوثان، حتى لقد اجتمع منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وعثمان بن الحويرث بن أسد، وزيد بن عمرو بن نفيل من بني عدي بن كعب عمّ عمر بن الخطاب، وعبيد الله بن جحش من بني أسد بن خزيمة، وتلاوموا في عبادة الأحجار والأوثان وتواصوا بالنفر في البلدان بالتماس الحنيفيّة دين إبراهيم نبيهم. فأما ورقة فاستحكم في النصرانية وابتغى من أهلها الكتب حتى علم من أهل الكتاب، وأمّا عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه حتى جاء الإسلام فأسلم وهاجر إلى الحبشة فتنصر وهلك نصرانيا وكان يمرّ بالمهاجرين بأرض الحبشة فيقول: فقحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر مثل ما يقال في الجر وإذا فتح عينيه فقح وإذا أراد ولم يقدر صأصأ، وأمّا عثمان بن الحويرث فقدم على ملك الروم قيصر فتنصر وحسنت منزلته عنده،


[١] وفي النسخة الباريسية: فرجعوا منه عجزا عمن سواها.
[٢] وفي نسخة ثانية: بخلاله.
[٣] وفي النسخة الباريسية: والخيانة الحميرية.
[٤] وفي النسخة الباريسية: مغبّته.

<<  <  ج: ص:  >  >>