للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنّهم ينحرون يوما عشرا من الإبل ويوما تسعا. فقال عليه السلام: القوم بين التسعمائة والألف. وقد كان بسبس وعديّ الجهنيّان مضيا يتجسّسان ولا خبر حتى نزلا وأناخا قرب الماء واستقيا في شنّ لهما ومجدي بن عمرو بن جهينة بقربهما، فسمع عديّ جارية من جواري الحي تقول لصاحبتها العير تأتي غدا أو بعد غد وأعمل لهم وأقضيك الّذي لك وجاءت إلى مجدي بن عمرو فصدقها، فرجع بسبب وعديّ بالخبر. وجاء أبو سفيان بعدهما يتجسّس الخبر فقال لمجدي هل أحسست أحدا فقال راكبين أناخا يميلان لهذا التل فاستقيا الماء، ونهضا فأتى أبو سفيان مناخهما وفتت من أبعار رواحلهما، فقال هذه والله علائف يثرب فرجع سريعا وقد حذر وتنكب بالعير إلى طريق الساحل فنجا وأوصى إلى قريش بأنّا قد نجونا بالعير فارجعوا. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ونقيم به ثلاثا وتهابنا العرب أبدا، ورجع الأخنس بن شريق بجميع بني زهرة وكان حليفهم ومطاعا فيهم، وقال: إنّما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت فارجعوا. وكان بنو عديّ لم ينفروا مع القوم، فلم يشهد بدرا من قريش عدويّ ولا زهريّ.

وسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا إلى ماء بدر وثبطهم عنه مطر نزل وبله مما يليهم وأصاب مما يلي المسلمين دهس [١] الوادي، وأعانهم على السير، فنزل عليه السلام على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح: «آللَّه أنزلك بهذا المنزل فلا نتحوّل عنه أم قصدت الحرب والمكيدة؟ فقال عليه السلام: لا بل هو الرأي والحرب. فقال يا رسول الله ليس هذا بمنزل، وإنّما نأتي أدنى ماء من القوم فنزله ونبني عليه حوضا فنملؤه ونغوّر القلب كلها فنكون قد منعناهم الماء. فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم بنوا له عريشا يكون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه [٢] من ربه النصر، ومشى يريهم مصارع القوم واحدا واحدا، ولما نزل قريش مما يليهم بعثوا عمير بن وهب الجمحيّ يحزر [٣] له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فيهم فارسان الزبير والمقداد، فحزرهم وانصرف وخبّرهم الخبر، ورام حكيم بن حزام


[١] الدهس: المكان السهل ليس برمل ولا تراب (قاموس) .
[٢] وفي النسخة الباريسية: يكون فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واثقا من ربه النصر.
[٣] وفي نسخة اخرى: يحذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>