للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعظم ذلك على المسلمين حتى تكلم فيه بعضهم، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم علم أنّ هذا الصلح سبب لأمن الناس وظهور الإسلام، وأنّ الله يجعل فيه فرجا للمسلمين وهو أعلم بما علمه ربه. وكتب الصحيفة عليّ، وكتب في صدرها هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبي سهيل عن ذلك وقال لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا أن يمحوها، فأبى وتناول هو الصحيفة بيده ومحا ذلك وكتب محمد بن عبد الله. ولا يقع في ذهنك من أمر هذه الكتابة ريب فإنّها قد ثبتت في الصحيح، وما يعترض في الوهم من أنّ كتابته قادحة في المعجزة فهو باطل، لأنّ هذه الكتابة إذا وقعت من غير معرفة بأوضاع الحروف ولا قوانين الخطّ وأشكالها بقيت الأمية على ما كانت عليه، وكانت هذه الكتابة الخاصة من إحدى المعجزات انتهى.

ثم أتى أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده وكان قد أسلم، فقال سهيل: هذا أوّل ما نقاضي عليه. فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه وعظيم ذلك على المسلمين، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل أنّ الله سيجعل له فرجا، وبينما هم يكتبون الكتاب إذ جاءت سرية من جهة قريش قيل ما بين الثلاثين والأربعين يريدون الإيقاع بالمسلمين، فأخذتهم خيول المسلمين وجاءوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فإليهم ينسب العتقيون [١] .

ولما تم الصلح وكتابه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحروا ويحلقوا فتوقفوا، فغضب حتى شكى إلى زوجته أم سلمة فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج وانحر واحلق فإنّهم تابعوك [٢] . فخرج ونحر وحلق رأسه حينئذ خراش بن أمية الخزاعي، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وما فتح من قبله فتح كان أعظم من هذا الفتح. قال الزهري: لما كان القتال حيث لا يلتقي الناس [٣] . فلمّا كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم بعضا فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام أحدا يفعل شيئا إلّا دخل عليه [٤] ، فلقد دخل في ذينك السنتين في الإسلام مثلما قبل ذلك أو أكثر.


[١] وفي نسخة ثانية: العتيقيون.
[٢] وفي نسخة ثانية: متابعوك.
[٣] وفي النسخة الباريسية: إنما كان القتال حيث يبتغي الناس.
[٤] وفي نسخة ثانية: دخل فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>