وخشي العبّاس تلافي قريش إن فاجأهم الجيش قبل ان يستأمنوا، فركب بغلة النبيّ صلى الله عليه وسلم وذهب يتجسس، وقد خرج أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم ابن حزام يتحسسون الخبر، وبينما العبّاس قد أتى الأراك ليلقى من السابلة من ينذر أهل مكة إذ سمع صوت أبي سفيان وبديل وقد أبصرا نيران العساكر، فيقول بديل: نيران بني خزاعة، فيقول أبو سفيان: خزاعة أذلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. فقال العبّاس: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس والله إن ظفر بك ليقتلنك واصباح قريش فارتدف خلفي. ونهض به إلى المعسكر ومر بعمر فخرج يشتدّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحمد للَّه الّذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، فسبقه العبّاس على البغلة ودخل على أثره فقال: يا رسول الله هذا عدوّ الله أبو سفيان أمكن الله منه بلا عهد فدعني أضرب عنقه، فقال العبّاس: قد أجرته فزأره عمر، فقال العباس: لو كان من بني عديّ ما قلت هذا ولكنه من عبد مناف، فقال عمر: والله لإسلامك كان أحب إليّ من إسلام الخطّاب لأني أعرف أنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العبّاس أن يحمله إلى رحله ويأتيه به صباحا، فلما أتى به قال له صلى الله عليه وسلم: ألم يأن لك أن تعلم أنّ لا إله إلّا الله؟ فقال بأي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد علمت لو كان معه إله غيره أغنى عنا، فقال: ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله، قال أبي أنت وأمي ما أحملك وأكرمك وأوصلك امّا هذه ففي النفس منها شيء [١] . فقال له العبّاس: ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك فأسلم. فقال العبّاس: يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا.
قال: نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. ثم أمر العبّاس أن يوقف أبا سفيان بخطم الوادي ليرى جنود الله ففعل ذلك، ومرّت به القبائل قبيلة قبيلة، إلى أن جاء مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، عليهم الدروع البيض، فقال من هؤلاء؟ فقال العبّاس: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار. فقال: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما: فقال: يا أبا سفيان إنها النبوّة، فقال: هي إذا! فقال له العبّاس: النجاء إلى قومك. فأتى مكة