للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلى الله عليه وسلم وأقامه مكانه وقرأ من حيث انتهى أبو بكر، ثم كان أبو بكر يصلي بصلاته والناس بصلاة أبي بكر، قيل صلوا كذلك سبع عشرة صلاة. وكان يدخل يده في القدم وهو في في النزع فيمسح وجهه بالماء ويقول اللَّهمّ أعني على سكرات الموت، فلما كان يوم الإثنين وهو يوم وفاته خرج إلى صلاة الصبح عاصبا رأسه وأبو بكر يصلي، فنكص عن صلاته [١] ، وردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وصلى قاعدا عن يمينه، ثم أقبل على الناس بعد الصلاة فوعظهم وذكّرهم، ولما فرغ من كلامه قال له أبو بكر: إني أرى أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحب. وخرج إلى أهله في السنح.

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فاضطجع في حجرة [٢] عائشة، ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر عليه وفي يده سواك أخضر، فنظر إليه وعرفت عائشة أنه يريده قالت: فمضغته حتى لان وأعطيته إياه فاستنّ به ثم وضعه. ثم ثقل في حجري فذهبت انظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول: «الرفيق الأعلى من الجنة» فعلمت أنه خير فاختار. وكانت تقول: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري. وذلك نصف نهار يوم الإثنين لليلتين من شهر ربيع الأول ودفن من الغد نصف النهار من يوم الثلاثاء. ونادى النعي في الناس بموته وأبو بكر غائب في أهله بالسنح، وعمر حاضر فقام في الناس وقال: إن رجالا من المنافقين زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأنه لم يمت وإنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى وليرجعن فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم. وأقبل أبو بكر حين بلغه الخبر فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه وقبله وقال: بأبي أنت وأمي قد ذقت الموتة التي كتب الله عليك ولن يصيبك بعدها موته أبدا. وخرج إلى عمر وهو يتكلم، فقال: أنصت. فأبي، وأقبل على الناس يتكلم فجاءوا إليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «أيها الناس من كان يعبد محمدا فإنّ محمد قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت» ثم تلا: «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ من قَبْلِهِ الرُّسُلُ ٣: ١٤٤» الآية. فكأنّ الناس لم يعلموا أنّ هذه الآية في المنزل قال عمر: فما هو إلّا أن سمعت أبا بكر يتلوها فوقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أنه قد مات وقيل


[١] وفي النسخة الباريسية: نهض عن مصلاه.
[٢] وفي النسخة الباريسية: في حجر عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>