بالبدن وأحواله وهذا أمر مدرك لكلّ أحد وكلّ ما بالقوّة فله مادّة وصورة وصورة هذه النّفس الّتي بها يتمّ وجودها هو عين الإدراك والتّعقّل فهي توجد أوّلا بالقوّة مستعدّة للإدراك وقبول الصّور الكلّيّة والجزئيّة ثمّ يتمّ نشؤها ووجودها بالفعل بمصاحبة البدن وما يعودها بورود مدركاتها المحسوسة عليها وما تنتزع من تلك الإدراكات من المعاني الكلّيّة فتتعقّل الصّور مرّة بعد أخرى حتّى يحصل لها الإدراك والتّعقّل بالفعل فتتمّ ذاتها وتبقى النّفس كالهيولى والصّور متعاقبة عليها بالإدراك واحدة بعد واحدة ولذلك نجد الصّبيّ في أوّل نشأته لا يقدر على الإدراك الّذي لها من ذاتها لا بنوم ولا بكشف ولا بغيرهما وذلك انّ صورتها الّتي هي عين ذاتها وهي الإدراك والتّعقّل لم تتمّ بعد بل لم يتمّ لها انتزاع الكلّيّات ثمّ إذا تمّت ذاتها بالفعل حصل لها ما دامت مع البدن نوعان من الإدراك إدراك بآلات الجسم تؤدّيه إليها المدارك البدنيّة وإدراك بذاتها من غير واسطة وهي محجوبة عنه بالانغماس في البدن والحواسّ وبشواغلها لأنّ الحواسّ أبدا جاذبة لها إلى الظّاهر بما فطرت عليه أوّلا من الإدراك الجسمانيّ وربّما تنغمس من الظّاهر إلى الباطن فيرتفع حجاب البدن لحظة إمّا بالخاصّيّة الّتي هي للإنسان على الإطلاق مثل النّوم أو بالخاصيّة الموجودة لبعض البشر مثل الكهانة والطّرق أو بالرّياضة مثل أهل الكشف من الصّوفيّة فتلتفت حينئذ إلى الذّوات الّتي فوقها من الملا لما بين أفقها وأفقهم من الاتّصال في الوجود كما قرّرنا قبل وتلك الذّوات روحانيّة وهي إدراك محض وعقول بالفعل وفيها صور الموجودات وحقائقها كما مرّ فيتجلّى فيها شيء من تلك الصّور وتقتبس منها علوما وربّما دفعت تلك الصّور المدركة إلى الخيال فيصرفه في القوالب المعتادة ثمّ يراجع الحسّ بما أدركت إمّا مجرّدا أو في قوالبه فتخبر به. هذا هو شرح استعداد النّفس لهذا الإدراك الغيبيّ. ولنرجع إلى ما وعدنا به من بيان أصنافه. فأمّا النّاظرون في الأجسام الشّفافة من المرايا وطساس المياه وقلوب الحيوان وأكبادها وعظامها وأهل الطّرق بالحصى والنّوى