كلها والمدد متصل من هاهنا وهاهنا ثم قاتلهم آخر الأيام فقتلوا منهم أكثر من ليلة الهرير، وأرسل الله عليهم ريحا وظلمة فسقط فرسانهم في الخندق وجعلوه طرقا مما يليهم ففسد حصنه، وشعر المسلمون بذلك فجاء القعقاع إلى الخندق فوقف على بابه، وشاع في الناس أنه أخذ في الخندق، فحمل الناس حملة واحدة انهزم المشركون لها وافترقوا، ومرّوا بالجسرة التي تحصنوا بها فعقرت دوابهم فترجلوا ولم يفلت منهم إلا القليل، يقال إنه قتل منهم يومئذ مائة ألف. واتبعهم القعقاع بالطلب إلى خانقين، وأجفل يزدجرد من حلوان إلى الري واستخلف عليها حشرشوم [١] ، وجاء القعقاع إلى حلوان فبرز إليه حشرشوم وعلى مقدمته الرومي، فقتله القعقاع وهرب حشرشوم من ورائه، وملك القعقاع حلوان وكتب إلى عمر بالفتح واستأذنوا في اتباعهم، فأبى وقال: وددت أنّ بين السواد والجبل سدا حصينا من ريف السواد فقد آثرت سلامة المسلمين على الأنفال.
وأحصيت الغنيمة فكانت ثلاثين ألف ألف، فقسمها سلمان بن ربيعة، يقال: إنه أصاب الفارس تسعة آلاف وتسعة من الدواب. وبعثوا بالأخماس إلى عمر مع زياد ابن أبيه. فلما قدم الخمس قال عمر: والله لا يجنه سقف حتى أقسمه، فجعله في المسجد وبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه، ولما أصبح جاء في الناس ونظر إلى ياقوتة وجوهرة فبكى، فقال عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا موطن شكر؟ قال: والله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا فيلقي الله بأسهم بينهم. ومنع عمر من قسمة السواد ما بين حلوان والقادسية فاقرّه حبسا، واشترى جرير بعضه بشاطئ الفرات فردّ عمر الشراء.
ولما رجع هاشم من جلولاء إلى المدائن بلغهم أن أدين بن الهرامون جمع جمعا وجاء بهم إلى السهل، فبعث إليه ضرار بن الخطاب في جيش فلقيهم بماسبدان فهزمهم وأسر أدين فقتله، وانتهى في طلبهم إلى النهروان وفتح ماسبدان عنوة وردّ إليها أهلها ونزل بها فكانت أحد فروج الكوفة، وقيل كان فتحها بعد نهاوند والله سبحانه أعلم.
[١] وفي النسخة الباريسية: خسرشوم وفي نسخة أخرى خشرشوم وفي الطبري ج ٤ ص ١٣٦: خسروشنوم.