فأقرّها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفيّة زوجه بنت الحرث بن أبي طلحة من بني عبد الدار أمّ طلحة الطلحات بن عبد الله، وتسلّل الجرحى من بين القتلى فدخلوا ليلا إلى البصرة وأذن عليّ في دفن القتلى فدفنوا بعد أن أطاف عليهم، ورأى كعب بن سور وعبد الرحمن بن عتّاب وطلحة بن عبيد الله وهو يقول: زعموا أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء مع أن هؤلاء فيهم. ثم صلّى على القتلى من الجانبين وأمر بالأطراف فدفنت في قبر عظيم، وجمع ما كان في العسكر من كل شيء وبعث به إلى مسجد البصرة وقال من عرف شيئا فليأخذه إلّا سلاحا عليه سمة السلطان. وأحصى القتلى من الجانبين فكانوا عشرة الاف منهم من ضبّة ألف رجل.
ولما فرغ عليّ من الوقعة جاءه الأحنف بن قيس في بني سعد فقال له: تربصت فقال ما أراني إلّا قد أحسنت وبأمرك كان ما كان، فارفق فانّ طريقك بعيد وأنت إليّ غدا أحوج منك أمس فلا تقل لي مثل هذا فاني لم أزل لك ناصحا. ثم دخل البصرة يوم الإثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة، وأتاه عبد الرحمن بن أبي بكرة فبايعه وعرض له في عمه زياد بأنه متربّص، فقال والله إنه لمريض وعلى مسرّتك لحريص. فقال: انهض أمامي فمضى فلما دخل عليه عليّ اعتذر فقبل عذره واعترض بالمرض قبل عذره، وأراده على البصرة فامتنع وقال: ولها رجلا من أهلك تسكن إليه الناس وسأشير عليه، وأشار بابن عبّاس فولاه، وجعل زيادا على الخراج وبيت المال، وأمر ابن عباس بموافقته فيما يراه. ثم راح علي إلى عائشة في دار ابن خلف وكان عبد الله بن خلف قتل في الوقعة فأساءت أمه وبعض النسوة عليه، فأعرض عنهنّ وحرّضه بعض أصحابه عليهنّ فقال: إن النساء ضعيفات وكنا نؤمر بالكفّ عنهنّ وهنّ مشركات فكيف بهن مسلمات. ثم بلغه أنّ بعض الغوغاء عرض لعائشة بالقول والإساءة، فأمر من أحضر له بعضهم وأوجعهم ضربا، ثم جهّزها عليّ إلى المدينة بما احتاجت إليه وبعثها مع أخيها محمد مع أربعين من نسوة البصرة اختارهن لمرافقتها، وأذن للفل ممن خرج عنها أن يرجعوا معها، ثم جاء يوم ارتحالها فودّعها واستعتبت له واستعتب لها، ومشى معها أميالا وشيّعها بنوه مسافة يوم، وذلك غرّة رجب، فذهبت إلى مكة فقضت الحج ورجعت إلى المدينة. ورجع [١]