والمعاناة [١] العجيبة والجواب الّذي يخرج منها فالسّرّ في خروجه منظوما يظهر لي إنّما هو المقابلة بحروف ذلك البيت ولهذا يكون النّظم على وزنه ورويّه ويدلّ عليه أنّا وجدنا أعمالا أخرى لهم في مثل ذلك أسقطوا فيها المقابلة بالبيت فلم يخرج الجواب منظوما كما تراه عند الكلام على ذلك في موضعه وكثير من النّاس تضيق مداركهم عن التّصديق بهذا العمل ونفوذه إلى المطلوب فينكر صحّتها ويحسب أنّها من التّخيّلات والإيهامات وأنّ صاحب العمل بها يثبت حروف البيت الّذي ينظمه كما يريد بين أثناء حروف السّؤال والأوتار ويفعل تلك الصّناعات على غير نسبة ولا قانون ثمّ يجيء بالبيت ويوهم أنّ العمل جاء على طريقة منضبطة وهذا الحسبان توهّم فاسد حمل عليه القصور عن فهم التّناسب بين الموجودات والمعدومات والتّفاوت بين المدارك والعقول ولكن من شأن كلّ مدرك إنكار ما ليس في طوقه إدراكه ويكفينا في ردّ ذلك مشاهدة العمل بهذه الصّناعة والحدس القطعيّ فإنّها جاءت بعمل مطّرد وقانون صحيح لا مرية فيه عند من يباشر ذلك ممّن له ذكاء وحدس وإذا كان كثير من المعاياة في العدد الّذي هو أوضح الواضحات يعسر على الفهم إدراكه لبعد النّسبة فيه وخفائها فما ظنّك بمثل هذا مع خفاء النّسبة فيه وغرابتها فلنذكر مسألة من المعاياة يتّضح لك بها شيء ممّا ذكرنا مثاله لو قيل لك خذ عددا من الدّراهم واجعل بإزاء كلّ درهم ثلاثة من الفلوس ثمّ اجمع الفلوس الّتي أخذت واشتر بها طائرا ثمّ اشتر بالدّراهم كلّها طيورا بسعر ذلك الطّائر فكم الطّيور المشتراة بالدّراهم فجوابه أن تقول هي تسعة لأنّك تعلم أنّ فلوس الدّراهم أربعة وعشرون وأنّ الثّلاثة ثمنها وأنّ عدّة أثمان الواحد ثمانية فإذا جمعت الثّمن من الدّراهم إلى الثّمن الآخر فكان كلّه ثمن طائر فهي ثمانية طيور عدّة أثمان الواحد وتزيد على الثّمانية طائرا آخر وهو المشترى بالفلوس المأخوذة أوّلا وعلى سعره اشتريت بالدّراهم فتكون تسعة فأنت ترى
[١] كذا في جميع النسخ. «ولعلها محرّفة عن (المعاياة) وهو الإتيان بكلام لا يهتدى كله هكذا يقتضي سياق الكلام» .