بالرقيم وهم على تعبية فقال: سيروا بنا إلى العدوّ الّذي بوادي القرى. فقال ابن دوس: إنما أمرني المختار أن آتي المدينة ففطن عبّاس لما يريد فأتاهم بالعلوفة والزاد وتخيّر ألفا من أصحابه وحمل عليهم فقتل ابن دوس وسبعين معه من شجعان قومه وأمن الباقين فرجعوا للكوفة، ومات أكثرهم في الطريق. وكتب المختار إلى ابن الحنفية يشكو ابن الزبير، ويوهمه أنه بعث الجيش في طاعته، ففعل بهم ابن الزبير ما فعل. ويستأذنه في بعث الجيوش إلى المدينة ويبعث ابن الحنفية عليهم رجلا من قبله فيفهم الناس أني في طاعتك، فكتب إليه ابن الحنفية قد عرفت قصدك ووفاءك بحقي وأحبّ الأمر إليّ الطاعة، فأطع الله وتجنب دماء المسلمين. فلو أردت القتال لوجدت الناس إليّ سراعا والأعوان كثيرا لكني أعتزلهم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. (ثم دعا ابن الزبير) محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وشيعته إلى البيعة فامتنع وبعث إليه ابن الزبير وأغلظ عليه وعليهم، فاستكانوا وصبروا فتركهم. فلما استولى المختار على الكوفة وأظهر الشيعة دعوة ابن الحنفية خاف ابن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا به، فاعتزم عليهم في البيعة، وتوعدهم بالقتل، وحبسهم بزمزم، وضرب لهم أجلا وكتب ابن الحنفية إلى المختار بذلك فأخبر الشيعة وندبهم وبعث أمراء منهم في نحو ثلاثمائة، عليهم أبو عبد الله الجدلي وبعث لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم وساروا إلى مكّة فدخلوا المسجد الحرام وبأيديهم الخشب كراهة إشهار السيوف في الحرم وطفقوا ينادون بثأر الحسين، حتى انتهوا إلى زمزم وأخرج ابن الحنفية وكان قد بقي من أجله يومان، واستأذنوه في قتال ابن الزبير.
فقال: لا أستحلّ القتال في الحرم ثم جاء باقي الجند وخافهم ابن الزبير وخرج ابن الحنفية إلى شعب عليّ واجتمع له أربعة آلاف رجل فقسم بينهم المال. (ولما قتل المختار) واستوثق أمر ابن الزبير بعث إليهم في البيعة فخافه على نفسه وكتب لعبد الملك فأذن له أن يقدم الشام حتى يستقيم أمر الناس ووعده بالإحسان. وخرج ابن الحنفية وأصحابه إلى الشام. ولما وصل مدين لقيه خبر مهلك عمر بن سعيد فندم وأقام بأيلة، وظهر في الناس فضله وعبادته وزهده وكتب له عبد الملك أن يبايعه فرجع إلى مكة ونزل شعب أبي طالب، فأخرجه ابن الزبير فسار إلى الطائف، وعذل ابن عبّاس ابن الزبير على شأنه، ثم خرج عنه ولحق بالطائف ومات هنالك وصلى عليه ابن الحنفية وعاش إلى أن أدرك حصار الحجّاج لابن الزبير. (ولما قتل