ألفا. ثم سار إلى أذربيجان ثم إلى حلوان وأرض السواد، وعبر إلى غرب دجلة وعاث في أرض الجزيرة، فبعث إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيبانيّ، وهو ابن أخي معن في العساكر فمكث يقاتله، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فاغروا به الرشيد وأنه أبقى على الوليد برجم وائل. فكتب إليه الرشيد يتهدّده فناجزه يزيد الحرب في رمضان سنة تسع وسبعين وقاتلهم قتالا شديدا فقتل الوليد وجيء برأسه.
ثم أصبحت أخته مستلئمة للحرب فخرج إليها يزيد وضربها على رأسها بالرمح وقال لها اعدي فقد فضحت العشيرة فاستحيت وانصرفت وهي تقول في رثائه الأبيات المشهورة التي منها:
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنّك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحبّ الزاد إلّا من التقى ... ولا المال إلّا من قنا وسيوف
وانقرضت كلمة هؤلاء بالعراق والشام، فلم يخرج بعد ذلك إلّا شذاذ متفرّقون يستلحمهم الولاة بالنواحي إلّا ما كان من خوارج البربر بإفريقية، فإنّ دعوة الخارجية فشت فيهم من لدن مسيرة الظّفريّ سنة ثلاث وعشرين ومائة. ثم فشت دعوة الإباضيّة والصّفريّة منهم في هوارة ولماية ونفزة ومغيلة وفي مغراوة وبني يفرن من زناتة حسبما يذكر في أخبار البربر لسي رستم من الخوارج بالغرب دولة في تاهرت من الغرب الأوسط نذكرها في أخبار البربر أيضا. ثم سار بإفريقية منهم على دولة العبيديّين خلفاء القيروان أبو يزيد بن مخلد المغربيّ، وكانت له معهم حروب وأخبار تذكرها في موضعها. ثم لم يزل أمرهم في تناقص إلى أن اضمحلّت ديانتهم وافترقت جماعتهم وبقيت آثار نحلتهم في أعقاب البربر الذين دانوا بها أوّل الأمر. ففي بلاد زناتة بالصحراء منها أثر باق لهذا العهد في قصور ربع وواديه، في مغراوة من شعوب زناتة ويسمّون الراهبية نسبة إلى عبد الله بن وهب الراهبي. أوّل من بويع منهم أيام عليّ بن أبي طالب. وهم في قصور هنالك مظهرين لبدعتهم لبعدهم عن مقال أهل السنّة والجماعة، وكذلك في جبال طرابلس وزناتة أثر باق تلك النحلة تدين بها أولئك البربر في المجاورة لهم مثل ذلك وتطير إلينا هذا العهد من تلك البلاد دواوين ومجلّدات من كلامهم في فقه الدين، وتمهيد عقائده، وفروعه مباينة لمناحي السنّة وطرقها بالكلية، إلّا أنها ضاربة بسهم في إجادة التأليف والترتيب