والسواد وإلى جانبه أهل الكوفة في مائة ألف يتربصون به. ثم رمى كل ناحية بحجرها وأقام خمسين يوما على مصلاه ويجلس ولم ينزع عنه جبته ولا قميصه وقد توسخا ويلبس السواد إذا ظهر للناس، وينزعه إذا دخل بيته. وأهديت له من المدينة امرأتان فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله وأمة الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أسيد فلم يحفل بهما. وقال: ليست هذه أيام نساء حتى انظر رأس إبراهيم إليّ أو رأسي له. وقدم عليه عيسى بن موسى فبعثه لحرب إبراهيم في خمسة عشر ألفا وعلى مقدمته حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف وسار إبراهيم من البصرة ومائة ألف حتى نزلا بإزاء عيسى بن موسى على ستة عشر فرسخا من الكوفة، وأرسل إليه مسلم بن قتيبة بأن يخندق على نفسه أو يخالف عيسى إلى المنصور فهو في حف من الجنون. ويكون أسهل عليك فعرض ذلك إبراهيم على أصحابه فقالوا: نحن هارون وأبو جعفر في أيدينا! فأسمع ذلك رسول سالم فرجع، ثم تصافوا للقتال وأشار عليه بعض أصحابه أن يجعلهم كراديس ليكون أثبت والصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره، فأبى إبراهيم إلّا الصف صف أهل الإسلام، ووافقه بقية أصحابه. ثم اقتتلوا وانهزم حميد بن قحطبة وانهزم معه الناس وعرض لهم عيسى يناشدهم الله والطاعة، فقال لهم حميد: لا طاعة في الهزيمة ولم يبق مع عيسى إلّا فلّ قليل فثبت واستمات وبينما هو كذلك إذ قدم جعفر ومحمد بن سليمان بن عليّ وجاء من وراء إبراهيم وأصحابه فانعطفوا لقتالهم واتبعهم أصحاب عيسى ورجع المنهزمون من أصحابه بأجمعهم اعترضهم إمامهم، فلا يطيقون ومخافة ولا وثوبه، فانهزم أصحاب إبراهيم وثبت هو في ستمائة أو أربعمائة من أصحابه وحميد يقاتله. ثم أصابه سهم بنحره فأنزلوه واجتمعوا عليه. وقال حميد شدّوا على تلك الجماعة فاحصروهم عن إبراهيم وقطعوا رأسه وجاءوا به إلى عيسى فسجد وبعثه إلى المنصور، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة الحرام سنة خمس وأربعين، ولما وضع رأسه بين يدي المنصور بكى، وقال: والله إني كنت لهذا كارها ولكني ابتليت بك وابتليت بي. ثم جلس للعامة فأذن للناس فدخلوا ومنهم من يثلب إبراهيم مرضاة للمنصور حتى دخل جعفر بن حنظلة النهراني فسلّم ثم قال: عظّم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمّك وغفر له ما فرّط فيه من حقّك، فتهلل وجه المنصور وأقبل عليه وكنّاه بابي خالد واستدناه.