قد استعمل على المدينة عمر بن عبد العزيز كما مرّ فأخذ يوما الحسن بن المهدي بن محمد بن عبد الله بن الحسين الملقّب أبا الزفت، ومسلم بن جندب الهذليّ الشاعر، وعمر بن سلام مولى العمريين على شراب لهم، فضربهم وطيف بهم بالمدينة بالحبال في أعناقهم، وجاء الحسين إليه فشفع فيهم وقال: ليس عليهم حدّ فإنّ أهل العراق لا يرون به بأسا وليس من الحدّ أن نطيفهم فحبسهم. ثم جاء ثانية ومعه من عمومته يحيى بن عبد الله بن الحسن صاحب الديلم بعد ذلك فكفلاه وأطلقه من الحبس. وما زال آل أبي طالب يكفل بعضهم بعضا ويعرضون فغاب الحسن عن العرض يومين، فطلب به الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله كافليه وأغلظ لهما، فحلف يحيى أنه يأتي به من ليلته أو يدق عليه الباب يؤذنه به. وكان بين الطالبيين ميعاد للخروج في الموسم فأعجلهم ذلك عنه وخرجوا من ليلتهم. وضرب يحيى على العمري في باب داره بالسيف واقتحموا المسجد فصلوا الصبح وبايع الناس الحسين المرتضى من آل محمد على كتاب الله وسنّة رسوله. وجاء خالد اليزيدي في مائتين من الجند والعمري وابن إسحاق الأزرق ومحمد بن واقد في ناس كثيرين فقاتلوهم وهزموهم من المسجد، واجتمع يحيى وإدريس بن عبد الله بن حسن فقتلاه وانهزم الباقون وافترق الناس.
وأغلق أهل المدينة أبوابهم وانتهب القوم من بيت المال بضعة عشر ألف دينار وقيل سبعين ألفا، واجتمعت شيعة بني العبّاس من الغد وقاتلوهم إلى الظهر وفشت الجراحات وافترقوا. ثم قدم مبارك التركيّ من الغد حاجا فقاتل مع العبّاسية إلى منتصف النار وافترقوا، وواعدهم مبارك الرواح إلى القتال واستغفلهم وركب رواحله راجعا واقتتل الناس المغرب ثم افترقوا. ويقال إنّ مباركا دسّ إلى الحسين بذلك تجافيا عن أذية أهل البيت، وطلب أن يأخذ له عذرا في ذلك بالبيات فبيته الحسين واستطرد له راجعا. وأقام الحسين وأصحابه بالمدينة واحدا وعشرين يوما آخر ذي القعدة، ولما بلغها نادى في الناس بعتق من أتى إليه من العبيد فاجتمع إليه جماعة.
وكان قد حجّ تلك السنة رجال من بني العبّاس منهم سليمان بن المنصور ومحمد بن سليمان بن علي والعبّاس بن محمد بن علي وموسى وإسماعيل أبناء عيسى بن موسى. ولما بلغ خبر الحسين إلى الهادي كتب إلى محمد بن سليمان وولّاه على حربه وكان معه رجال وسلاح وقد أغذ بهم عن البصرة خوف الطريق، فاجتمعوا بذي طوى، وقدموا مكة فحلّوا من العمرة التي كانوا أحرموا بها. وانضمّ إليهم من حجّ من شيعتهم