للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت حينئذ عصبيّة الآخرين موفورة وسورة غلبهم من الكاسر محفوظة وشارتهم في الغلب معلومة فتسمو آمالهم إلى الملك الّذي كانوا ممنوعين منه بالقوّة الغالبة من جنس عصبيّتهم وترتفع المنازعة لما عرف من غلبهم فيستولون على الأمر ويصير إليهم وكذا يتّفق فيهم مع من بقي أيضا منتبذا عنه من عشائر أمّتهم فلا يزال الملك ملجئا في الأمّة إلى أن تنكسر سورة العصبيّة منها أو يفنى سائر عشائرها سنّة الله في الحياة الدّنيا «وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ٤٣: ٣٥» [١] واعتبر هذا بما وقع في العرب لمّا انقرض ملك عاد قام به من بعدهم إخوانهم من ثمود ومن بعدهم إخوانهم العمالقة ومن بعدهم إخوانهم من حمير أيضا ومن بعدهم إخوانهم التّبابعة من حمير أيضا ومن بعدهم الأذواء كذلك ثمّ جاءت الدّولة لمضر وكذا الفرس لمّا انقرض أمر الكينيّة ملك من بعدهم السّاسانيّة حتّى تأذّن الله بانقراضهم أجمع بالإسلام وكذا اليونانيّون انقرض أمرهم وانتقل إلى إخوانهم من الرّوم وكذا البربر بالمغرب لمّا انقرض أمر مغراوة وكتامة الملوك الأوّل منهم رجع إلى صنهاجة ثمّ الملثّمين من بعدهم ثمّ من بقي من شعوب زناتة وهكذا سنّة الله في عباده وخلقه وأصل هذا كلّه إنّما يكون بالعصبيّة وهي متفاوتة في الأجيال والملك يخلقه التّرف ويذهبه كما سنذكره [٢] بعد فإذا انقرضت دولة فإنّما يتناول الأمر منهم من له عصبيّة مشاركة لعصبيّتهم الّتي عرف لها التّسليم والانقياد وأونس منها الغلب لجميع العصبيّات وذلك إنّما يوجد في النّسب القريب منهم لأنّ تفاوت العصبيّة بحسب ما قرب من ذلك النّسب الّتي هي فيه أو بعد حتّى إذا وقع في العالم تبديل كبير من تحويل ملّة أو ذهاب عمران أو ما شاء الله من قدرته فحينئذ يخرج عن ذلك الجيل إلى الجيل الّذي يأذن الله بقيامه بذلك التّبديل كما وقع لمضر حين غلبوا على الأمم والدّول وأخذوا الأمر من أيدي أهل العالم بعد أن كانوا مكبوحين عنه أحقابا.


[١] سورة الزخرف آخر الآية ٣٥.
[٢] ذكر ابن خلدون هذا في الفصلين ١٦ و ١٨ ولعله غير ترتيب الفصول فكان هذا الفصل سابقا للفصلين المذكورين ثم أصبح لاحقا. ولم ينتبه ابن خلدون إلى هذه الكلمة ليحذفها أو يبدلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>