أخذ عليه العهود والإيمان أن لا يوالي صالحا وأنّ باطنه وظاهره في موالاتهم سواء، فجدّدوا له البيعة واستبد موسى بالأمر، وبعث إلى صالح للمطالبة بما احتجبه من الأموال فلم يوقف له على أثر، وأخذوا في البحث عنه. وفي آخر المحرّم أحضر المهتدي كتابا رفعه إليه سيما الشرابيّ، زعم أنّ امرأة دفعته إليه وغابت فلم يرها، وحضر القوّاد وقرأه سليمان بن وهب عليهم وهو بخط صالح يذكر ما صار إليه من الأموال، وأنه إنما استتر خشية على نفسه وحسما للفتنة وإبقاء على الموالي. ولما قرأ الكتاب حثّهم المهتدي على الصلح والاتفاق، فاتهمه الأتراك بالميل إلى صالح وأنه مطلع على مكانه، وطال الكلام بينهم بذلك ثم اجتمعوا من الغد بدار موسى بن بغا داخل الجوسق واتفقوا على خلع المهتدي، إلا أخا بابكيال فإنه أبى من ذلك وتهدّدهم بأنه مفارقهم إلى خراسان، واتصل الخبر بالمهتدي فاستدعاه إليه وقد نظّف ثيابه وتطيب وتقلّد سيفه فأرعد وأبرق وتهدّدهم بالاستماتة، ثم حلف لا يعلم مكان صالح، وقال لمحمد بن بغا وبابكيال قد حضرتما مع صالح في أمر المعتز وأموال الكتّاب وأنتم شركاؤه في ذلك كلّه. وانتشر الخبر في العامة بأنهم أرهقوه وأرادوا خلعه فطفقوا يحاذرون على الدعاء في المساجد والطرقات ويبغون على القوّاد بغيهم على الخليفة، ويرمون الرقاع بذلك في الطرقات. ثم إنّ الموالي بالكرخ والدور دسوا إلى المهتدي أن يبعثوا إليه أخاه أبا القاسم عبد الله بعد أن ركبوا وتحرّكوا فقالوا لأبي القاسم: بلغنا ما عليه موسى وبابكيال وأصحابهما ونحن شيعة للخليفة فيما يريده، وشكوا مع ذلك تأخّر أرزاقهم وما صاروا من الاقطاع والزيادات إلى قوّادهم وما أخذه النساء والدخلاء حتى أصحب ذلك كله بالخراج والضياع، وكتبوا بذلك إلى المهتدي، فأجابهم بالثناء على التشيّع له والطاعة والوعد الجميل في الرزق، والنظر الجميل في شأن الاقطاعات للقوّاد والنساء، فأفاضوا في الدعاء وأجمعوا على منع الخليفة من الحجر الاستبداد عليه، وأن ترجع الرسوم إلى عادتها أيام المستعين على كل عشرة عريف، وعلى كل خمسين خليفة، وعلى كل مائة قائد، وأن تسقط النساء والزيادة في الاقطاع ويوضع العطاء في كل شهرين. وكتبوا بذلك إلى المهتدي وأنهم صائرون إلى بابه ليقضي حوائجهم، وإن أحد اعترض عليه أخذوا رأسه وإن تعرّض له أحد قتلوا موسى بن بغا وبابكيال وماجور. فجاء أبو القاسم بالكتاب وقد قعد المهتدي للمظالم وعنده الفقهاء والقضاة والقوّاد قائمون في مراتبهم فقرأ كتابهم على